النفط.. والاقتصاد العربي
في المؤتمر العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية الذي عقد في عمان بالمملكة الأردنية الهاشمية خلال الفترة من 15-18 رجب عام 1404هـ كان الموضوع الرئيسي لمناقشات المؤتمر (تراجع الفورة النفطية وتأثيراته المحتملة والمتوقعة على البلاد العربية).
وقد استعرض المؤتمرون مؤشرات هذا التراجع على المدى الظاهر والمدى البعيد وظهر من المناقشات أن ثمة تراخياً فعلياً في الطلب العالمي على النقط حيث بلغت نسبة انخفاض الطلب في عام 1382هـ فقط 23% عما كان عليه في عام 1381هـ.
كما ظهر أن هناك فائضاً في إنتاج النفط وتنافساً بين الدول المنتجة على زيادة الإنتاج واتضح من تقارير المؤسسات الاقتصادية العالمية أن ثمة مخزوناً كبيراً من النفط لدى الدول الصناعية يتيح لها امتصاص أي تخفيض طارئ في إنتاج النفط وأن هناك اكتشافات نفطية جديدة قد تحققت في بعض أنحاء العالم بل أن منظمة أوبك لم تستطع أن تحافظ على وحدة الصف.
هذه بعض مؤشرات الظواهر العاجلة، أما المؤشرات الآجلة فإن هناك محاولات دولية من الدول الصناعية لتخفيض الاستهلاك في الطاقة من ناحية وإستبدالها بطاقات أخرى من ناحية ثانية كالفحم الحجري والطاقة النووية والرياح والأمواج والطاقة الشمسية حتى بلغ إنفاق هذه الدول في البحوث عن هذه البدائل حوالي ثمانية بليون ونصف دولار خلال عام 1980م.
كما ناقش المؤتمر: هل في مستطاع الدول المنتجة للبترول أي تحسن مواقعها من جديد بمواجهة كمواجهة عام 1973 م فبدا أن ذلك ربما كان مستحيلاً بسبب انفراط التضامن العربي من جهة ومن جهة أخرى زيادة الفجوة الغذائية العربية مما يتيح الفرصة للدول الصناعية للتهديد بإستخدام المواد الغذائية كسلاح مقابل التهديد بحظر نفطي.
والأخطر من ذلك هو وجود إيداعات ضخمة وإستثمارات كبيرة للدول النفطية في خزائن النظام المصرفي العالمي حيث بلغت هذه الإيداعات والإستثمارات الشرق أوسطية في الولايات المتحدة وحدها حوالي 73041 مليون دولار في منتصف عام 1981م كما جاء في العدد الخاص في مجلة (ميدل إيست ايكونومك دايجست) عن التجارة العربية الأمريكية الصادر في أكتوبر عام 1982م ، الأمر الذي يتيح للدول الصناعية التهديد بتجميد هذه الأرصدة على غرار ما حصل بالنسبة للأموال الإيرانية في أزمة الرهائن.
واستعرض المؤتمرون الأساليب الشيطانية التي لجأت إليها الدول الصناعية في العالم لإستهلاك أموال الدول المصدرة للبترول برفع أسعار منتجات الدول الصناعية أضعاف الزيادات التي طرأت على البترول الأمر الذي سيجعل أية زيادة مستقبلية غير ذات جدوى فهي تدفع أسعاراً مرتفعة للبترول باليد اليمنى لتقبض ضعفها على الأقل باليد اليسرى كثمن لمنتجاتها وخاصة في مجال الغذاء الذي تستهلكه الدول المصدرة للبترول بكميات كبيرة.
كما استعرض المؤتمرون عدداً من التقارير الدولية في مجال المال والاقتصاد ومستقبل الطاقة وإنتهوا إلى ضرورة التنبه إلى فورة هذا التراجع ووجوب العمل على تلافي آثاره السلبية وعلى المدى القريب والبعيد وذلك كمحاولة استرجاع الأموال المختزنة في الخارج وإستثمارها في الداخل قبل أن يحال دون ذلك وقبل أن تهبط قيمتها بالتلاعب بأسعار العملات الذي تلجأ إليه الدول الكبرى بين حين وآخر.
وبمحاولة ترشيد إستهلاك الطاقة البترولية داخل البلاد المنتجة فقد تبين من الإحصاءات زيادة معدلات الإستهلاك عن الإنتاج بفروق كبيرة.
ووجوب العمل على التكامل الاقتصادي والصناعي بين الدول العربية وإستبدال كل ما تستورده من الخارج كمنتجات صناعية من خلال التعاون بين الأقطار العربية واللجوء إلى إقامة شركات عربية كبرى كقناة هامة من أقنية التكامل الاقتصادي العربي ولعل الشركة المقترحة للإستثمار الزراعي هي أولى الشركات التي يجب تدعيمها من جميع أعضاء إتحاد الغرف التجارية الصناعية.
وبعد ذلك ناقش المؤتمر مؤتمرات رجال الأعمال والمستثمرين العرب التي عقد أولها بالطائف والثاني بالمغرب والثالث سيعقد بالكويت وعلى دورها في إنماء الاقتصاد العربي وحمايته من المؤامرات الدولية والذي كان من ثمراته فكرة إنشاء الشركة العربية للإستثمار الزراعي في المؤتمر الأول المنعقد بالطائف والتي تقرر أن يكون مقرها البحرين وإقامة شركة عربية كبرى لصناعة المحركات والجرارات والشاحنات والدعوة إلى إنشاء شركة عربية للإستثمارات السمكية على أن يكون مقرها المغرب لما تتمتع به مياهها من وفرة كبيرة في الثروة السمكية تستغلها الآن عشرات الشركات الأجنبية.
وقد ناقش مؤتمر الغرف عدداً من الموضوعات الأخرى كالتطلعات المستقبلية للقطاع الصناعي في البلاد العربية والدور الإنمائي للمؤسسات والصناديق العربية ودور المزارع الصغيرة في التنمية الزراعية والريفية ودور أصحاب الأعمال العرب في منظمة العمل العربية ولم يتح لي حضور هذه المناقشات في لجان المؤتمر الأخرى وهي لجنة الصناعة ولجنة الزراعة حيث كنت فقط في اللجنة الرئيسية للمؤتمر والتي ناقشت ما أشرت إليه في صدر هذه الكلمة.
وقد قام إتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة الأردنية بتنظيم المؤتمر أدق التنظيم ورعي المؤتمر جلالة الملك الحسين أجمل رعاية وافتتحه بنفسه بكلمة حكيمة توجيهيه سديدة، كما ألقى سمو ولي العهد الأردني الأمير الحسن محاضرة قيمة عن العمل العربي الاقتصادي المشترك وأهميته في هذه الظروف التي تمر بها البلاد العربية.
وفي تقديري أن هذا الاتحاد الدائم لغرف التجارة والصناعة والزراعة ومؤتمراته السنوية يقوم بدور فعال نحو التكامل الاقتصادي والصناعي والزراعي العربي ينبغي أن تؤخذ قراراته وتوصياته وبحوثه ودراساته بعين الإعتبار والله الموفق.
معلومات أضافية
- العــدد: 8
- الزاوية: في الاسبوع مرة
- تاريخ النشر: 22/7/1404ﻫ
- الصحيفة: الندوة
اترك التعليق
الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.