تفرغ الأطباء مرة أخرى
"زامر الحي لا يطرب" هذا المثل القديم هل ما زال ساريا في عصر العقل والعلم والفكر الذي ينبغي أن يرفض هذه النظرية الخاطئة فطبيب الحي أو رئيس الحي أو عمدة الحي هو الذي يستطيع أن يعالج مشاكل الحي بحكم تجاربه فيه وإطلاعه على صغائره وكبائره بل ودقائق أموره وكما يقول المثل الصحيح الآخر "أهل مكة أدرى بشعابها"، أو ما قاله الشاعر الحكيم.
إن المعلم والطبيب كلاهما لا ينصحان إذا هما لم يكرما
أقوم بهذه الكلمة للتعليق على ما كتبه أخي الأستاذ عبد الله عمر خياط في جريدة الجزيرة الغراء يوم 9/2/1404 ﻫ عن تطلعات الأطباء السعوديين بعد أن اندفعوا وتحمسوا لدراسة الطب رغم ما فيها من مشقة وضياع عمر استطاع زملاؤهم على مقاعد الدراسة الثانوية ممن انصرفوا عن دراسة الطب إلى الدراسات النظرية السهلة أن يصلوا إلى أعلى الدرجات في الشهادات والوظائف.
أول تلك المعوقات هو تعيينهم بعد التخرج على مرتبة مادية لزملائهم وخريجي الجامعات ممن لا تزيد سنوات دراستهم على أربع أو خمس سنوات بينما أمضى الواحد منهم أكثر من سبع سنوات سهر فيها الليالي وعانى وكابد من الدرس والحفظ لمواد عليه بالغة التعقيد والثقل.
وثاني تلك المعوقات نظام التفرغ الذي أعد لصالح المواطن والطبيب فلا المستشفيات التي مدت ساعات عملها سدت حاجة المرضى والمراجعين وأضاعت تلك المستشفيات خبرة أطبائنا والخبراء في أمراض بيئتها الذين تركوا العمل بها إثر تنفيذ نظام التفرغ وارتفعت بعد ذلك تعرفة الكشف في بعض العيادات الخاصة والمستشفيات الخاصة التي زادت من أعباء العلاج بالتفتن في وسائل الكشف والعلاج بما يرهق المريض وأهله. وتأثر الطبيب السعودي في مورده الإضافي الذي كان يستعيض به عن ضعف راتبه الذي لا يسد أوده ولا يقضي حاجة أسرته ومطالب عيشه ومستقبل أولاده وأدخل بين فريق "محدودي الدخل".
وعندما عرض طلاب الطب الذين كانوا على وشك التخرج وضعهم على جلالة الملك المعظم عندما تفقد أبناءه الطلاب في الخارج يوم كان وليا للعهد.. عندما عرضوا لجلالته ما ينتظرهم عند عودتهم إلى بلادهم وعدهم خيرا ووفي لهم بالممكن العاجل ريثما تتم دراسة الباقي فأمر بصرف بدل سكن لهم – فوق العادة – كتعويض سريع عما بذلوا من جهد وتحسين لأوضاعهم ولم يمض أكثر من عام على صرف هذا البدل حتى مدت إليه الأعين وارتفعت الأصوات – بدون حق – تطالب بالمساواة رغم الفرق الواضح في طول الطريق وصعوبته بين هؤلاء وهؤلاء.
وتوقف صرف البدل، ورأى معالي وزير الصحة الجديد أن يطعم مستشفيات المملكة بالكفاءات النادرة من الأطباء العرب وغير العرب لقلة عدد الأطباء السعوديين المتخصصين، إذ أننا ما زلنا في أول الطريق وكان رأيا موفقا من معاليه وجئ بعدد من هذه الكفاءات إلى مستشفياتنا ولكن برواتب ومميزات تزيد على ضعف راتب الطبيب السعودي المماثل لزميله العربي كفاءة وشهادة ودرجة علمية.
ومنذ أن صدر نظام التفرغ كتبت أكثر من مرة أنادي تصحيحه لا إلغائه بعد دراسة متأنية لنتائجه وقلت فيما قلت واقترحت فيما اقترحت:
(1) أن يكون نظام التفرغ بالنسبة للطبيب السعودي اختياريا وللمتعاقد حسب العقد والمؤمنون على شروطهم والعقد شريعة المتعاقدين.
(2) إن استثناء الطبيب السعودي من التفرغ الإجباري يعوضه الكثير مما خسره بمساواته بالمتخرج السعودي في التخصصات غير الطبية ويتيح له فرصة تحسين وضعه ومستقبله.
(3) إن ما يدفع للطبيب كبدل تفرغ هو 80 % يمكننا به استقدام طبيب آخر به بزيادة 20 % فقط ولكن عطاء الطبيب الثاني سيكون وقتا كاملا ومن طبيب مرتاح يصل عيادته بنشاط وانفتاح بدلاً من طبيب يعمل ساعات إضافية بعد استنفاذ طاقته في الوقت الرسمي وإصابته بالملل وأحيانا القرف.
(4) إن إتاحة الفرصة للطبيب السعودي لفتح عيادة خاصة بالإضافة إلى تحسين وضعه يزيد من فرص العلاج للمواطنين ويخفف عنهم متاعب الانتظار أمام المستشفيات والعيادات الخاصة.
إننا نطمع من معالي الوزير الجديد وهو الوزير المثقف المقدر لكل الظروف والأوضاع أن يولي هذا الموضوع اهتمامه الخاص تطويراً لأجهزة وزارته وتكريماً لمساعديه أو أياديه التي يعمل بها واستجلابا للكفاءات الممتازة إلى هذا الجهاز الحساس المؤثر على كل الأجهزة فالعقل السليم في الجسم السليم – كما يقولون – وضمانا لعدم التفلت والهروب الذي نخشاه إذا استمرت هذه المتاعب بدون علاج، فالتأزمات النفسية أسوأ أثراً من الكدمات الجسمانية.
هذا ما نرجوه، والله الموفق...
معلومات أضافية
- العــدد: 6417
- الزاوية: كل اسبوع
- تاريخ النشر:
- الصحيفة: عكاظ
اترك التعليق
الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.