في مثل هذا اليوم منذ أربعة عشر قرناً ونيفاً التقت في ميدان الحرب فئتان غير متكافئتين في العدة والعدد.. فئة مؤمنة ولكنها ضعيفة العدة قليلة العدد سلاحها العقيدة وعتادها الثقة بالنفس والإيمان بالذود عن المبدأ.. وفئة كافرة ضعف الفئة الأولى عدداً وأقوى عدة فقط تنقصها العقيدة الصادقة والإيمان بعدالة القضية  التي تحارب من أجلها والثقة في صواب المبدأ الذي تقتتل في سبيله..

التقت الفئتان فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى تقاتل في سبيل الشيطان، يحدو الأولى الانتصار للحق والذود عن العقيدة والدفاع عن الإيمان ويدفع الثانية خيلاء في غير حق ونعرات تنبع من باطل ودفاع عن ترهات وأباطيل ما أنزل الله بها من سلطان.

وتدور رحى الحرب في أول الأمر سجالاً وهم يرونهم مثليهم رأي العين، ويتحمل أصحاب العقيدة والمدافعون عن المبدأ الصحيح ضغط القوة، ويستميتون في الدفاع بينما تخور عزيمة المحارب دونما عقيدة وينزل الرعب بنفس المقاتل في سبيل الباطل وترتعد فرائض المدافع عن الترهات، وتدور على المبطلين دائرة السوء ويؤيد الله بنصرة المؤمنين ويمدهم بروح منه فتلوذ الفئة الباغية بالفرار تاركة خلفها عدداً من القتلى والجرحى والأسرى وقد كانوا يعدون من الصناديد الأبطال.

وهكذا تعطينا هذه الواقعة (وقعة بدر الكبرى) درساً عملياً بأن النصر مع الصبر وأن الإيمان بالفكرة جزء لا يتجزأ من وسيلة الوصول إليها وأن المسلمين لا يمكن أن يغلبوا عن قلة ولكن سيغلبون إذا ما اعتور عقيدتهم الوهن وأدرك إيمانهم الضعف وانحرف سيرهم عن الطريق المستقيم وحينئذ تداعى عليهم الأمم كما تتداعى الأكلة على القصعة.

نذكر هذه الحادثة بمناسبة هذا اليوم العظيم في تاريخ الإسلام فقد كان نقطة تحول بالنسبة لتلك الفئة  التي كانت تعتزل بدينها وعقيدتها في حدود ضيقة من أرض الجزيرة العربية هي المدينة المنورة فانطلقت بعد ذلك فيما حولها حتى دكت عرش كسرى واقتحمت حصون هرقل وجعلت كلمة الله هي العليا..

نذكرها ونضرع إلى الله في هذا اليوم أن يعيد للأمة الإسلامية مجدها السليب، وأن يوفق رجال الإسلام جميعاً للعمل في هذا السبيل ولن يكون ذلك إلا بالتمسك بلباب تعاليم الإسلام والسير في نفس الطريق الذي سار فيه أولئك المسلمون الأولون.