القائمة الرئيسية
بـحـــث
المتواجـــــدون الآن
يوجد حاليا 181 زوار المتواجدين الآن بالموقع
الاثنين, 18 فبراير 2013 20:27

موكب الحياة وصحافة العهدين

قييم هذا الموضوع
(0 تقيم)

الشمس تسير ببطء شديد.. إلى نقطة الارتكاز في كبد السماء.. ترسل أشعة تلتهب بالحرارة.. والساعة تشير إلى تمام الثالثة صباحاً.. والشوارع مزدحمة بأنواع المخلوقات.. الإنسان. والحيوان. والجماد.. كان كل شيء يسير.. ويسير لهدف.. وكل يسعى باتجاه معين.. والهدف.. هدف الجميع البقاء في الحياة.. والدافع لعجلة تلك الجموع.. نحو المسير.. تحت لهيب الشمس.. وحرارتها.. هو حب الحياة.. حب الحياة فقط..

الوقت في قصوى لفح الصيف.. وحرارة الأرض الصحراوية تعانق لهب الشمس.. وتمتزج بها وكأنما هي عوزلها.. لتصلى.. أولئك السائرين.. وتلتهبهم بشديد الحرارة.. لتبعث الأنفاس ملهوشة.. ولتتفاطر نقاط العرق وتسيل على الخدود.. والمناديل تتعاقب على بقع الأجسام.. مساً ومسحاً.. تخفيفاً وتجفيفاً.

الناس.. كل الناس يسيرون وفي رؤوسهم أفكار.. وعلى أكتافهم أعباء ثقيلة من الأحمال.. تتنوع وتختلف. باختلاف أشكال وأنواع السائرين.. فمن أولئك الجموع المائجة الهائجة من هو مثقل بالقيود.. قيود التقاليد قيود العادات.. قيود المجتمع.. العباءة تجلله من كل جانب.. والثوب الطويل يحيط به.. والحذاء الجلدي تضم أرجله.. ويداه لا تهنآن باستراحة.. لإصلاح ما أعوج منها.. وتمايل واختلط بها.. لئلا تشير إليه الأصابع وتهمس نحوه الانتقادات.

ومنهم من هو مثقل بالأفكار.. والهواجس.. يسير.. تلفه العواصف الفكرية.. بغير اتجاه.. نحو الحياة ونحو البقاء.. ونحو لقمة العيش ونعيم الدنيا..

ومنهم من يسير.. وهو مثقل.. لعبء كبير.. ومكبل بقيد ثقيل لأنه يسير.. عسيراً لا عن إرادة ولا طوع اختيار.. مسير لغرض.. ومدبر لأمر لا يعلم إلى أين ستكون صيرورته.. بعد ذلك؟

ومنهم من يسير وهو مثقل بنفس.. نفس شريرة.. تحمل البغض والكراهية.. تحمل الحقد والحسد.. تحمل خيوطاً عريضة طويلة لعمل شرير.. ينتظر الفرصة المواتية لارتكابه والقيام فيه.. على غفلة من أعين الأمناء.. وغمضة عين من الرقباء.

ومنهم من يسير تائهاً عائماً.. في هذا الخضم الزاحف من المخلوقات.. لا يدرى ولا يعرف إلى أين تسير تلك المواكب.. براءة.. وطهارة.. عزة وشرف. أنفة وكبرياء. براءة من الشر طهارة من الضغينة، عزة في النفس.. شرف في العرض.. أنفة وكبرياء عن الوقوع في الرذيلة.. والاقتراب من حماها.

ومنهم من يسير.. ينادى بأعلى صوته.. ويلوح بكلتا يديه.. مشيراً إلى الطريق المستقيم.. ولكن صوته يضيع.. مع ضجيج وصخب الحركة القوية.. والاندفاع السريع نحو البقاء.

ألوان كثيرة.. ومخلوقات أكثر.. تسير في طريق واحد نحو هدف واحد.. وإلى حقيقة واحدة.. تسير في طريق الحياة.. وتجرى نحو الموت.. وهذه هي نهاية المطاف.. لكل المخلوقات.

إذن.. وبعد هذا ما قيمة الحياة.. وما قيمة التعب فيها.. والجرى السريع وراء زخرفها وبريق حلاوتها؟

حقيقة هو الأمر.. موت وهو نهاية كل حياة.. ولا بعد الموت حياة في الحياة.

هذه حقيقة لا جدال في إنكارها.. ولا مجادلة في التشكيك بها.. إذن.. لماذا هذا الاندفاع السريع؟ ولماذا هذا التهافت المخيف؟ ولماذا يحمل الناس هذه الأعباء الثقال؟ موهمين أنفسهم ومضلليها بشيء هذه حقيقته وهذه نهايته.

نحن نعيش للحياة.. وهذه نهاية الحياة.. فلماذا اللجوء إلى الأساليب الملتوية في طريقها.. ولماذا لا يعم الرخاء والصفاء أبناءها؟.. لماذا لا يعيش أبناؤها.. في حب وصفاء ووئام؟.. أهي سيرة الحياة تملى ذلك؟ أم عواطف تتنازع النفوس وآمال وهمية تدفعها بغير اتزان.. وبغير تعقل وتبصر أم هي طبيعة البشر وسنة الحياة.. ولولاه لما طاب عيش ولا طال آمل؟

كل ذلك جائز.. وكله قابل للأخذ به.. ولكن الغير جائز.. والغير مقبول الأخذ به.. أن تعيش للحياة وحدها.. وأن نسخر كل طاقاتنا وإمكانياتنا لها وحدها.

صحيح أن الإنسان يسعد.. بلحظة أنس يعيش فيها وقتاً من الأوقات.. بين المال والولد.. والرفاق والخدم.. تحت الأشجار المزهرة.. وإلى جانبه الجداول المنسابة.. يقول فيسمع.. ويأمر فيطاع.. ويطلب فيحقق له طلبه ولكن ما قيمة هذا كله؟ وما قيمة هذه الحياة.. إذا كان القلب معتماً.. والنفس مريضة.. والفكر شارداً.. والحقيقة واقعة.

وصحيح أن الإنسان قد يسعد.. عندما يحقق مطمعاً.. أو يصيب مغنماً.. ولكن ما قيمة هذا المكسب.. وما طعم هذا المغنم.. حينما يحققه بمخلب المجداف؟ لا يعلم من أين أتى.. ولا كيف أتى..

وصحيح.. أن الإنسان.. قد ينعم بساعة من يوم.. ولكنه نعيم غير مشروع.. ونعيم غير مقبول.. فما قيمة السعادة بتلك الساعة.. حينما تأتى بوجهة غير صحيحة.. ومن مورد غير عذب ومستساغ.

وصحيح أن واجب الإنسان العمل في الحياة.. ولكن ما قيمة هذا العمل.. إذا كان خالصاً لنفس الحياة.. ولذات الحياة.. وعلى غير ما يجب أن تكون الحياة..

وصحيح أن الإنسان يعيش بالأمل.. ولكن ما قيمة هذا الأمل إذا كان على حساب الآخرين.. وعلى إلحاق الضرر والمساس بهم.. وما قيمة هذا الأمل.. إذا كان ممتداً.. من حبال الآخرين.. ومعتمداً على أكتفاهم.

وصحيح أن واجب الإنسان العمل للعيش والعيش للحياة.. ولكن ما قيمة هذا العيش.. إذا كان مصادره مشبوهة.. وينابيعه معفنة.. وما قيمة الحياة على كهوف تكتنفها العفونة.. وتلوثها الديدان.. وتمتزج بها الأوبئة.. وتحيط بها القاذورات من كل جانب.؟

ولكن الغير صحيح.. أن نسير في موكبنا الزاحف السريع.. ونحن مثقلون بتلك الأعباء.. مأسورون بتلك القيود.. وموهمون ببارقات الحياة وشارداتها.

غير صحيح.. أن نسير في زحفنا.. ونحن مجردون من كل سلاح.. مجردون من سلاح الفضيلة.. ومجردون من سلاح المحبة والمودة.. ومجردون من سلاح الإيمان.. الذي يدرأ عنا الأخطار ويهلهل المخاوف والآلام والأحزان..

غير صحيح أن نسير في طريق واحد.. ونحن في الحقيقة والواقع أُمماً وشعوباً.. أُمماً في تفكيرنا.. وشعوباً في آرائنا.. أمماً في أهدافنا ومطامعنا.. وشعوباً في تصرفاتنا وآرائنا.

كل هذا غير صحيح.

فلماذا لا نخفف من تلك الأعباء والأثقال؟ ولماذا لا نجرد نفوسنا من كل عاطفة.. ونطهر خلياتنا من كل شائبة ولماذا التناحر.. والتهافت.. على زخارف الحياة؟ للحياة وحدها.. وللذات ذاتها.. دونما سواها..؟

قال لي صديق عربي ذات مرة.. ونحن نتحدث معاً.. عن الفدائيين الفلسطينيين.. وعن بطولاتهم وتضحياتهم في سبيل وطنهم.. وفي سبيل تحقيق الحياة الشريفة لهم ولأبنائهم.. واسترجاع وطنهم السليب قال: (التقرير النهائي للحياة هو الموت) وصحيح ما قال.. فنهاية الحياة الموت ولكن ما هي ماهية الميتة.. وبأي سبيل تحقق الموت.. فإن كان الطمع غير شريف.. والهدف غير مشروع.. فليس للموت في ذلك أية قيمة.. لأنه تحقق على غير هدف شريف.. وكان في غير سبيل مقدس.. أما إذا كان الموت دفاعاً عن نفس وكرامة.. أو إعادة لحق مغتصب.. ووطن مسلوب.. ففي هذا الموت الشرف والكرامة.

وتحية عربية للفدائيين الشرفاء الذين خضبوا أراضيهم بدمائهم.. في سبيل الله وفي سبيل الحق.. وفي محاولات لاسترجاع الأراضي العربية المحتلة.. والأماكن العربية المقدسة.. وعدت من تلك الرحلة القصيرة في موكب الحياة.. عدت بعد أن سبرت حقيقة ما يجرى فيها.. وما يحدث على ظهرها.. عدت بعد أن درست واقعها.. وتفهمت أحوالها.. فإذا هي أمواج هادرة.. وعواصف زاجرة.. لا يقر لها قرار.. ولا يهدأ لها مكان.. الغلبة فيها للقوة.. والعزة فيها للقوة.. والبقاء على ظهرها للأقوياء.. ولا بغير القوة فيها مكان لكائن.

قلت.. وهذه حقيقة ما تسعى إليه هؤلاء الجموع.. وهي ما تجرى وراءه.. وتسعى لتحقيقه.. بوسائلها المختلفة.. وطرقها المتعددة.. وهذا هو الحافز لأولئك الناس.. كل الناس للسير في تلك القيلولة.. وتحت لهيب الشمس ووهج.. الصيف.. فإذا بى اصطدم مع التقدير الواقعى لنهاية الحياة.

وهكذا يعيش إنسان اليوم.. في صراع دائم.. من أجل الحياة.. وللحياة.. من أجل القوة والتمركز فيها.. والسيطرة على إحيائها.. دونما وازع.. من ضمير.. أو رادع من حق..

قلت يوماً لا شك أن الآراء.. قد تكون متفقة تمام الاتفاق.. على أن الصحافة السعودية.. تختلف اختلافاً كبيراً في عهديها.. ففي عهد الأفراد.. كانت الصحافة.. بيد هواة الصحافة ومحترفيها.. يعملون بإخلاص لإشباع تلك الهواية.. وإرضاء تلك الغريزة يحاولون كسب القارئ بأي ثمن.. ويبذلون قصارى جهدهم في سبيل تقديم صحافة ناجحة.. صحافة بمعناها ومضمونها الصحيح.. يتسابقون إلى الأخبار الهامة للانفراد بها.. ويسارعون لاجتذاب الأقلام الحرة النزيهة.. لتقديم أفكار صادقة.. وآراء وتوجيهات صائبة.. تلامس أحاسيس ومشاعر القراء.. ويبتعثون البعثات الصحفية.. إلى الشرق والغرب، والشمال والجنوب، لتقديم الريبورتاجات المصورة.. والتحقيقات الصحفية الهامة.. لذا فقد كانت ولا شك صحافة ناجحة.. صحافة خبر ورأى.. وصورة أيضاً.. لا تخضع لسيطرة المادة.. ولا تتشبع بروح الرأسمالية.

أما عهد المؤسسات.. فقد أرادت بذلك الدولة شيئاً.. ولكن الذي اعتقده.. وأجزم به.. أن الوضع أتى على غير ما كانت الدولة تريد.. فقد أرادت الدولة بتحويل الصحيفة من عهد الأفراد.. إلى عهد المؤسسات.. تطوير الصحافة.. وتعزيزها بعناصر اقتصادية تمدها بالمال.. وتغذيها بالمعونات.. وتطورها في الشكل والمضمون.. لترتفع إلى مستوى الصحافة العالمية.. ولتبلغ المكانة التي يجب أن تحتلها.

ولكن ذلك ما لم يحصل.. فلقد اختلط الفكر الثقافي.. وامتزج بالفكر الاقتصادي.. والرأسمالي.. حتى لتكاد أن تتحول النظرة الصحفية.. إلى نظرة اقتصادية خالصة.

ولهذا فإنني أتفق تمام الاتفاق.. مع الذين يقولون بأن صحافة الأفراد.. أقوى وأمضى وأنجح من صحافة المؤسسات ولا اعتقد أن في ذلك تحاملاً.. أو تجاهلاً للمجهودات الآتية.. التي تبذل من قبل المؤسسات لتطوير صحافتها وإظهارها بالشكل المقبول.. ولكن مهما يكن.. فإن للتفكير الرأسمالي.. سيطرة أقوى من ذلك.

تذكرت هذا الرأي السابق.. حينما.

معلومات أضافية

  • العــدد: 3
  • الزاوية: غير معروف
  • تاريخ النشر:
  • الصحيفة: عكاظ

اترك التعليق

الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.

المقالات حسب تصنيفات المواضيع

لتحميل المقدمة و العناوين هنا