صحافتنا في عهد المؤسسات
.. إن الصحف المحلية اليوم غيرها بالأمس. فهي قد تطورت.. ولا أدرى هل كان التقدم الزمنى هو العامل على تطورها.. أم المؤسسات كانت ذلك العامل..
صحفنا المحلية هل بلغت المكانة التي نتمناها لها.. بعد أن صدرت عن المؤسسات.
سؤال يلوب في أذهان معظم قرائها.. وكل قارئ يحدد المكانة التي يتمناها بوجهة نظره..
إن المؤسسات لم تبخل في الإنفاق على الصحف، وقد بذلت لها بسخاء. فأقل عدد من الأعداد التي تصدرها أى صحيفة تصل تكاليفه إلى ما يوازى دخله.
وقد علمت أن مؤسسة من المؤسسات الصحيفة في المنطقة الغربية بلغت منصرفاتها الشهرية.. مائة وخمسين ألف ريال. في حين أن الواردات عجزت أن تغطى هذه المنصرفات في بعض الشهور.
وقد طلب مديرها العام من العاملين في المؤسسة إداريين وأدبيين أن يقتصدوا في النفقات بحيث لا تتجاوز الإيرادات... لكيلا تخسر المؤسسة.. أما الربح فلم يهدف إليه أى عضو من أعضاء هذه المؤسسة.
مع هذا الإنفاق السخي الموغل في السخاء.. إلى حد التبذير فإن هناك رأياً يقول بأن المؤسسات لم تستطع بعد أن تصل بالصحف إلى المكانة التي هدفت الجهات المسئولة وتطلعت إليها يوم أنشئت المؤسسات.
والواقع أن الصحف لم تتغير عن الصحف التي كانت تصدر عن امتيازات فردية إلا في الإخراج الباذخ. وذلك بالنسبة لصحف المنطقة الغربية أما صحف المنطقة الشرقية لم تتغير حتى في الإخراج.
تلك كلمة صريحة أقولها.. ليسمعني أصحاب المؤسسات، وأنا فرد منهم..
الخبر والصورة
والقوام الأدبي لصحفنا اليوم الخبر.. الصورة، الأعمدة الصحفية.. الأبواب الأسبوعية.. الأركان الثابتة.. اليوميات.. المقالات المترجمة.. التحقيقات الصحفية المحلية التي تتناول بعض المرافق العامة.. وقد أصبح بعضها مكروراً ومعاداً.. بل ومعاراً أيضاً.. الأحاديث الصحفية مع بعض الشخصيات وقد استنفذت بعد أن دارت دورتها على جميع شخصيات البلاد، ورؤساء المصالح والإدارات.
ضعف المادة
هذا هو القوام الأدبي لصحفنا.. وهو القوام الأدبي للصحف العالمية.. ولكن الصحف العالمية.. تغطى بالأساليب الصحفية الممتازة ما يصاحب المادة الصحفية من ضعف بحيث تجد في أي مادة من المواد أثراً للجهد.
ثم أن الأرشيف المنظم الموجود في دار الصحيفة تساعد على أداء كثير من المهمة.. وتوفر الجهد.
لا أرشيف..
مثل بسيط أضربه للقارئ، هو أن صحفنا نشرت في الأسبوع الماضي مرسوماً ملكياً بزيادة حصتنا في صندوق النقد الدولي وزيادة أسهمنا في البنك الدولي للإنشاء والتعمير.
نشرت الصحف هذا المرسوم كما هو.. دون أن تقدم للجمهور أى فكرة عن هذا الصندوق أو عن ذلك البنك.
وأسباب ذلك أن الصحف لم يكن لديها أرشيف يعطى معلومات وافية عن الصندوق الدولي أو البنك العالمي.
إن كثيراً من المواطنين أو جلهم يجهل كل شيء عن هذا الصندوق وعن هذه الشركة، وما مهمتهما ثم ما أهمية اشتراكنا فيهما، ومتى بدأنا الاشتراك وكم كانت الحصة الأولى لنا فيهما من الأسهم والنقد. وإلى أى حد تستطيع الزيادة الجديدة تركيز اقتصادنا، وعملتنا.
توعية القراء
جل مواطنينا بما فيهم كثير من المثقفين يجهلون هذه المعلومات.. وكانت فرصة أمام الصحف لتوعية القارئ بهذا النوع من الوعي.. الاقتصادي، ولكن دور الصحف كلها لا تتوفر لها المعلومات المطلوبة لإصدار تحقيق صحفي مثل هذا التحقيق مع المرسوم الملكى الكريم.
ويرد ذلك إلى عدم وجود أرشيف لدى الصحف.
وكثير من الأمثال نستطيع أن نقربها في هذا المجال.. ومنها الأحداث التي حدثت في الجزائر منذ أسبوعين تقريباً.. فقد نشرت الصحف تفاصيل الحادث كما أذاعتها المحطات الإذاعية، ووكالات الأنباء.. وقدمت.. صحيفة واحدة نبذة تاريخية لحياة بن بله وهوارى بومدين.
أما عن تاريخ الجزائر وكفاحها وأحداث صراعها ضد الاستعمار، والمشاكل الداخلية التي عاصرتها بعد الاستقلال فلم نقرأ شيئاً عنها في صحفنا المحلية.. رغم أنها جديدة على التاريخ المعاصر.
وأسباب عدم وجود أرشيف تاريخي لدى الصحف.. وعدم وجود المحرر المسئول عن مثل هذه التحقيقات أو القسم المسئول كما هو المعروف في دور الصحف الكبرى.
أقسام مختصة
وإني أؤكد أن جميع الصحف المحلية لم توجد بها حتى اليوم أقسام لها اختصاصات معينة. كقسم الشئون الخارجية.. والشئون العربية، والشئون الأدبية، والشئون العلمية. بل لا يوجد بها محررون مختصون لهذه الشئون التي ذكرتها.. ومعظم الصحف عندنا تقسم العمل بين محرريها بالصفحات فمثلاً المحرر فلان مكلف بالصفحة الرابعة والخامسة وعلان مكلف بالصفحة الأولى والثامنة.. وهلم جرا.
إن المؤسسات الصحفية كما قلت تنفق في سخاء فأقل محرر في جريدة من جرائد المنطقة الغربية يتقاضى ألفا ومائتى ريال راتباً شهرياً وكل ما يؤديه المحرر من عمل هو توفير المواد المطلوبة للصفحات الموكلة إليه.. باستقطاعها من الصحف وبنقلها من الكتب، وبأخذها من الإذاعة.. وبالتماسها لدى الكتاب والأدباء.. وبانتظارها من محرري الصفحات الأسبوعية والأركان.. الثابتة ومعظمهم غير رسميين في الصحيفة. أو ترجمتها من الصحف الأجنبية، والإذاعات الخارجية ووكالات الأنباء.
كتاب الافتتاحيات
أما الافتتاحيات فهي على ندرتها في صحفنا المحلية، وعدم انتظامها في معظم تلك الصحف فإنها لا تتناول إلا قضايا داخلية.. وفي نطاق ضيق محدود.. وأفكار ربما يمكن نشرها كخبر أحياناً أو كالتماس إلى مصلحة من المصالح.. أما القضايا العالمية والأحداث الدولية فليس لها في افتتاحيات صحفنا – على ندرتها – محل.
لم تشغل الإمكانيات
إن الافتتاحية في بعض الصحف العالمية يكلف بكتابتها قسم مختص، في الدار الصحفية لأهميتها.. لأنها تحمل دائمتاً رأى الصحيفة ورأى الصحيفة يمثل رأى قرائها.
لقد توفرت لبعض صحفنا في عهد المؤسسات إمكانيات آلية ضخمة.. من مطابع، وآلات أخذ الأخبار رأساً من الوكالة (تليتايب) وآلة أخذ الصور بالراديو.
ومع ذلك لم تستغل هذه الآلات الاستغلال المرجو، والثمانون ألف كلمة التي تعطيها آلة التليتايب يومياً لا ينشر 20% منها.. وكذلك الصور اللاسلكية.. وينتج ذلك من عدم توفر الجهد الصحفي المستغل.. بل وعدم وجوده.
إن بعض الأعمدة الصحفية التي تنشرها صحفنا في المنطقة الغريبة يبلغ متوسط قيمتها ألف وخمسمائة ريال شهرياً.. وأقل عمود صحفي يبلغ قيمته ألف ريال.. فلو استغلت قيمة عمودين من الأعمدة اليومية في صحيفة ما وأعطيت لأحد كتبة الأعمدة الصحفية كمرتب شهري لموظف غير متفرغ يرأس قسماً من أقسام الصحيفة.. لتركز القسم..
رواتب سخية.. ولكن
إن المؤسسات كما قلت تعطى رواتب سخية ولكنى لا أدرى ماذا يمنع الكفاءات الأدبية.. من العمل كمحررين فيها..
وقد جرى بيني وبين مسئول في إدارة الصحافة بوزارة الإعلام نقاش على هذه النقطة فكان من رأيه أن الكفاءات الأدبية تطمح إلى.. منصب يحمل اسماً كبيراً.. ومما قال إن في إمكان المؤسسات أن تعين لكل صحيفة تصدر منها عدة رؤساء تحرير، يختص كل رئيس من الرؤساء بقسم خاص.. فمثلاً رئيس تحرير للشئون الخارجية.. وأخر للشئون الداخلية.. وثالث للشئون الأدبية والاجتماعية وما إلى ذلك، ومن الممكن جداً أن يكونوا غير متفرغين، ولا يشترط أن يكون متفرغاً إلا في رئيس تحرير عام واحد حسب نظام المؤسسات.
رأى للنقاش..
بهذه الطريقة نختص كل صحيفة بفئة من الكتاب، والصحفيين، وتحتكر جهودهم، وتستغني عن نشر كل فج... وتتركز المواد..
رأى قابل للنقاش.. بين أعضاء المؤسسات وعلى ضوء ميزانياتها وإمكاناتها المادية والأدبية ولكنه رأى لو نفذ سيكون له أثره في تطوير..، الصحف، ولعله سيخرجها عن قوقعتها التي.. تعيش فيها الآن..
تطور الصحف
ومع كل هذا فإن الصحف المحلية اليوم غيرها بالأمس، فهي قد تطورت.. ولا أدرى هل كان التقدم الزمنى هو العامل على تطورها.. أم المؤسسات كانت ذلك العامل، وأياً كان فإن تطورها.. حتماً سينسب إلى المؤسسات في تاريخ صحافتنا.
المترجمات..
ورغم التطور الذي أصابته الصحف المحلية فإنها لم تستطع أن تخرج عن الطور المحلى.. وأن تضاعف تأثيرها على الوعي العام الاجتماعي في البلاد.
وقد ظن بعضهم أن نشر قصاصات مترجمة فيه تمرد على هذا الطور، وتخط لواقع حياة الصحف.. وفاتنا أن ندرك أننا بالمترجمات إنما نخدم أفكار غيرنا.. ونروج لها، ونعمل على إشاعتها في أوساطنا.
حاجتنا إلى كتاب عالميين
وحتما لا نستطيع أن نخرج بالقصاصات والمترجمات من الحدود الداخلية إلى الخارجية.. وما يخرجنا منها إلا تفاعل ذاتي بالأحداث العالمية وأفكار ذات ثقل عالمي.. ومستوى كبير.
إن صحفنا في حاجة إلى كتاب عالميين ورغم العدد الكبير من الكتاب المحليين، ورغم ما يتمتع به.. هؤلاء من ثقافة ووعى وتركيز فإنهم لم يستطيعوا أن يصلوا إلى المستوى العالمي.. أو المستوى العربي على الأقل.. وقد شعرت بعض الصحف بذلك فراحت تستكتب بعض الصحفيين والأدباء العرب ورغم ذلك فإن من استكتبتهم تلك الصحف من الكتاب العرب تقوقعوا في القوقعة المحلية.. وأصطبغوا بصبغتها، ففقدت بذلك كتاباتهم روحها وخصائصها.. وأصبحت لا هي محلية، ولا هي.. على المستوى العربي.
نظام المطبوعات
إن خلق كتاب محليين على مستوى عالمي أو عربي يحتاج إلى تعاون كبير بين الصحف وبين الجهات.. الرسمية، والمسئولين عن الإعلام.. وتفاهم.. واضح صريح بين الكاتب وهذه الجهات.. وذلك ما لا يتقرر إلا بنظام يعطى للكاتب حقه.. ويوضح له واجبه.. ونظام المطبوعات القديم لا يستطيع مسايرة وضعنا الحالي بعد هذا التطور الكبير الذي حققناه لبلادنا في مختلف.. مجالات الحياة.. ويوم يتقرر هذا النظام.. سيكون لصحافتنا ولبلادنا وأفكارنا شأن غير هذا الشأن.
محمد عبد الله مليبارى
معلومات أضافية
- العــدد: 2
- الزاوية: اكثر من فكرة
- تاريخ النشر: 1/3/1385ﻫ
- الصحيفة: عكاظ
اترك التعليق
الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.