النجاح لم يتحقق لصحافة المؤسسات وهذه هي جميع الأسباب.. بالتفصيل
تواصل "المدينة" استفاءها عن صحافة المؤسسات.. ونحن اليوم مع الزميل الأستاذ عبد الله عمر خياط عضو مؤسسة عكاظ ومدير تحرير جريدتها اليومية ليقدم رأيه في صحافة المؤسسات..
.. تسألني الزميلة الغراء "المدينة المنورة" عن صحافة المؤسسات.. ومدى نجاحها مع إبراز الدليل على ذلك إن كان الجواب إيجاباً.. وإذا لم يكن كذلك فلماذا.. ثم ما هي الوسائل أو العوامل التي يمكن بتوفرها أن يتحقق المجاح لهذه المؤسسات الصحفية؟!
الأسباب.. بالتفصيل
والسؤال على بساطته غاية في الإحراج بالنسبة لي على الأقل – أو هكذا يلوح لي - .. فلو اقتصر الأمر على أنني عضو في المؤسسات الصحفية لهان الأمر.. أما وأنني في كلا العهدين عهد الأفراد.. وعهد المؤسسات.. جندي عامل في حقلها.. فهنا يكمن الإحراج!
ولو اقتصر السؤال أيضا على الجزء الأول لهان الأمر أيضا وقلت: لا.. أو نعم بدون تحرج ولكن السؤال يتطلب الدليل.. ويطلب.. ويطلب.. وهذا إشكال آخر.. ولولا إصرار – المدينة – وإخلاصي لمهنة أعتبرها رسالة سامية من أجل خدمة الوطن وحكومته التي تسير في ضوء السياسة الرشيدة التي ينتهجها قائدنا إلى الخير أبدا فيصل الملك الذي يبني ويبني.. ويريد منا أن نقول للمحسن أحسنت.. وللمسيء أسأت.. لولا هذا كله، لما كان لي في الموضوع من رأي.. ولما كان لدى على السؤال جواب..
الحديث لم ينقطع
فمذ أن قامت صحافة المؤسسات والحديث عنها لا ينقطع.. والذي يبدو لي من خلال ما كتب على كثرته.. أن الواقع الحقيقي لصحافة المؤسسات غير واضح الأبعاد والملامح عند الذين عالجوا هذا الموضوع.. أو عند أكثرهم الأمر الذي جعل من تلك الموضوعات زفة لمجرد الزفة.. أو قدحا لمجرد القدح.
وأقول هذا لأمرين اثنين أولهما أن جميع الذين كتبوا عن صحافة المؤسسات مادحين أو قادحين.. إنما كانوا يفعلون ذلك عن ألم أو أمل دون معرفة الحقائق.. الحقائق التي تدور في الجمعيات العمومية لكل مؤسسة.
أما ثانيهما: فهو استعجالهم النتائج التي لا يمكن أن تصبح حقائق ملموسة إلا بمضي الزمن.. وذلك بالنسبة لكل مجال.. وفي كل عمل..
وأنا لا أعني بهذا إيجاد المبررات لما قد يقال عن فشل المؤسسات.. أو نشر الغسيل لما يدور في داخلها سعيا وراء رضاء فئة على حساب أخرى.. وإنما أبغى بذلك مولجا للحديث عن صحافة المؤسسات..
حديث لا يتأثر بما كتب.. أو قيل، ففي أريي أن صحافة المؤسسات تجربة جديدة كان من الممكن أن تكون أكثر نجاحا لو أنها تخلصت من بعض العوامل التي خلقت لها من العوائق وأسباب الانتقاص ما لا قبل لها به.. أو لا قبل لأجهزة التحرير فيها به.
فالصحافة في جميع أنحاء العالم تضطلع بمهمة توجيه الرأي العام.. وهي مهمة – ولا شك – خطرة.. ذات جوانب حساسة ودقيقة.. وإسناد هذه المهمة إلى مجموعة تمثلها المؤسسات الصحفية فكرة ناجحة أريد بها الخير كما هو مؤكد.. ولكن هل نجحت المؤسسات.. وهل تحقق الخير؟؟
النجاح لم يتحقق
.. إنني – بكل أسف – أقول بأن نجاح المؤسسات الصحفية لم يتحقق بعد على الوجه الذي يريده لها أصحاب الفكرة.. والمعنيون بأمرها قبل سواهم..
فهم يريدونها صحافة مثلي.. لا تخنقها التقاليد.. ولا تجرفها التيارات المتهورة.. وهم يريدون منها صحافة تساير نهضتنا الكبرى لترسم وجهها بكامل ملامحه.. وانفعالاته.. وهم يريدونها فوق كل هذا أن تكون في مستوى الصحافة المتطورة شكلا.. وفي مستوى يتناسب مع قداسة المنطقة التي تصدرها موضوعا.. وهذا ما لم يتحقق لها بكل أسف.. ولعل مرد ذلك – كما يبدو لي – هو ما يلي:
بعيدون عن الصحافة
1- لقد ضمت كل مؤسسة مجموعة كبيرة من الأعضاء الذين هم بعيدون عن مجال الصحافة ورسالتها واحتياجاتها وطبيعة العمل فيها.. وقد كان هؤلاء عائقا نحو التقدم الذي ينشده أصحاب المواهب الصحفية لمؤسستهم..
إذا المعروف أن كل مؤسسة قد ضمت بين أعضائها عددا من رجال الأعمال الذين قد يكون ا لنجاح حليفهم دائما وأبدا ولكن.. حيث التجارة وحيث.. الشركات.. وحيث الأسواق التجارية.. أما الصحافة فلا..!
وإنني أعتقد اعتقادا جازما بأنه لو اقتصرت المؤسسات الصحافية على الذين يمارسونها عن قرب أو بعد.. وعلى رجال القلم فقط لقطعت شوطا أكبر.. ولحققت من النجاح ما قد تعجز عنه حتى سنين إذا ظلت بشكلها الحاضر..
واسمحوا لي أن أقول أن الصحافة ليست تجارة.. وليست وسيلة للكسب.. وإنما هي رسالة.. وأعظم بها من رسالة لا يقدرها إلا من وعي حقيقتها.. وأدرك أهدافها..
النظام لم ينفذ
2- ويأتي في الدرجة التالية عدم التزام المؤسسات بما اشترطه نظامها من ركائز أساسية يجب توفرها لقيام كيانها الداخلي.
فلقد اشترط النظام عدداً من المحررين.. وكان النظام يعني المحررين الأكفاء طبعاً.. واشترط النظام أيضا وجود المصور المتفرغ.. واشترط وجود أكثر من مترجم.. واشترط قيام مكاتب في ثلاث عواصم عالمية أو مندوبين.. وهذا كله لم يتحقق بشكله المفهوم للمؤسسات جميعاً.. وحتى التي استطاعت أن تفعل شيئاً من ذلك فهي لم تأت به على وجهه الأكمل..
يضاف إلى ذلك عدم ممارسة لجنة الإشراف على التحرير أعمالها وفق ما هو مرسوم لها.. إذ لم يقدر لأية لجنة.. في أية مؤسسة إن اجتمعت حتى الآن.. فضلا عن بقية الأعضاء الذين لا يعرفون من الفاتحة إلا "آمين" وهم بمنأى عن الجريدة وواقعها.
ولو حصل ذلك بالنسبة لمؤسسة أو أخرى فإنني أؤكد بأن غالبية أعضاء اللجنة قد شغلتهم أعمالهم الخاصة عن حضور الاجتماع.. وفي هذا ما يترك المجال لأسرة التحرير لكي تسير وفق رغبات أفرادها، وهذا ما حاولت الجهات المعنية القضاء عليه بفكرة المؤسسات.
بين التحرير والإدارة
ثالثا – أما العلة الثالثة والأخيرة.. فهي عبارة عن عدة مسائل ذات جوانب منها ما يتصل بالتحرير ومنها ما يتصل بالإدارة..
أما بالنسبة للتحرير: فهو ما أعطاه النظام من مركز للمدير العام.. يفوق مركز رئيس التحرير.. والغريب في الأمر أن النظام لم يجعل للمدير العام ما جعله الأعضاء أنفسهم له من مركز في حين أن المركز الأول من الصحافة دائما وأبدا لرئيس التحرير الذي يحمل مسئولية الكلمة.. وعليه أيضا تقع مسئولية توجيه سياستها الإعلامية والتوجيهية.. وهل من مهمة للصحافة غير هذا؟ ونخلص من هذا إلى فقرة أخرى في مجال التحرير.. وهي المجاملة التي تستطيع صحافة المؤسسات أن تقضي عليها، ولو كان ذلك على حساب سمعتها.
وبالنسبة للإدارة: فهو عدم اشتراط تفرغ المدير العام.. أو نائبه على الأقل حتى يتمكن من إدراك سياسة الجريدة.. والعمل باستمرار على تحسين وارداتها ليمكنها أن ترسم على ضوء ذلك موازنة منصرفاتها.
إن إدارة المؤسسة موضوع مهم بالنسبة لكيان المؤسسة ومستقبلها.. وهذا ما غفل عنه النظام.. وكان من المفروض على المؤسسين معالجته لأهميته بالنسبة لهم قبل غيرهم.. وغريب أن تظل أكثر من مؤسسة بدون مدير متفرغ يقوم بواجبات لا حياة للمؤسسة بدون نتائجها.
كما أن إغفال بعض المؤسسات لمادة جاءت في النظام مضمونها ضرورة وضع نظام داخلي للمؤسسة.. أمر يساعد على ارتباك سيرها.. وعدم انتظام خطاها.
هذا ما أراه سبباً في عدم إحراز نجاح أكثر.. والذين حملتهم وزارة الإعلام شرف هذه الأمانة عليهم أن يعملوا من أجل تأديتها كما هو مطلوب منهم.. وإلا فإن مسئوليتهم أمام التاريخ كبيرة وجد كبيرة.
عبد الله عمر خياط
معلومات أضافية
- العــدد: 4
- الزاوية: غير معروف
- تاريخ النشر: 7/11/1384ﻫ
- الصحيفة: المدينة
اترك التعليق
الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.