القائمة الرئيسية
بـحـــث
المتواجـــــدون الآن
يوجد حاليا 90 زوار المتواجدين الآن بالموقع
الأربعاء, 17 أغسطس 2011 15:02

تأريخ مكتبة الثقافة بمكة المكرمة

قييم هذا الموضوع
(0 تقيم)

 

تحقيقاً لرغبة الصديق الأستاذ عبد العزيز الرفاعي رفيق الدرب في الأدب والطبع والنشر والتوزيع في أن أكتب تأريخ مكتبة الثقافة بمكة وسيرتها كما أشرت في كلمتي السابقة يسعدني أن أضع ذلك تحت نظر الصديق العزيز والقراء جميعاً.

حقاً لقد كان إنشاء هذه المكتبة وليد الصدفة فقد كنت أجلس في نافذة سكني الذي كان يطل على المسعى في أوائل عام 1364 ﻫ. وكان يزورني الصديق الأستاذ محمد حسين أصفهاني ومر من الشارع الصديق الأستاذ عبد الرزاق بليلة فلمحني وأشرت إليه بالصعود فصعد إلينا ثم لحقه الصديق الأستاذ أحمد ملائكة بعد أن كان في طريقه إلي سكن آل ملائكة في الزقاق الذي طغى عليه اسم زقاق ملائكة بالمدعي وهو زقاق الطبري حيث يوجد به مدفن إمام من أئمة العلم من آل الطبري ولا يزال.

قبل هذه الجلسة كان الصديق الأستاذ الأصفهاني قد أوكل إليّ- وأنا موظف بالمحكمة الشرعية  الكبرى- أن أتولى توزيع مجلة المختار التي حصل على وكالتها بالمملكة وكانت تصدرها دار نشر أمريكية في طبعة ممتازة ترجمة عن مجلة علمية أمريكية أسمها (ريد رزدا جست) كمختارات منها في طباعة أنيقة وإخراج رائع وموضوعات ثقافية لتباع بسعر رمزي هو ثمانية قروش دارجة وكان يرسلها إليّ طروداً كصديق وأنا أجمع صبيان الحارة يوم وصولها- وأخالها شهرية- لأحسبها عليهم بسبعة قروش ويبيعوها بثمانية أي يحصلون على ربح قرش عن كل عدد وهو ربح مجزي بل مغرى حينذاك.

وكان الحديث يومها عن المجلة وتوسيع نطاق توزيعها ثم تطور إلي سؤال لماذا لا نقوم بإنشاء مكتبة أدبية لتحقيق طموحات الشباب بمكة المكرمة ولم يكن بمكة المكرمة يومئذ مكتبة كهذه فقد كانت كل المكتبات تركز على الكتب الدينية والمراجع والمصاحف بمختلف أحجامها وأنواعها وطبعاتها التى لها سوق رائجة فى موسم الحج بإستثناء مكتبة واحدة فى باب السلام الكبير هي مكتبة أحمد حلواني تستورد أعداد محدودة من كتب الأدب الحديث من مؤلفات العقاد وطه حسين والرافعي والزيات والمازني كمشاهير للأدباء ودُكّانين بالقشاشية هي دكان الشيخ قاسم الميمني ودكان الشيخ مصطفي يغمور تستوردان نسخاً محدودة أيضاً من مجلة الرسالة ومجلة الثقافة ومجلة الهلال تتسابق إليها الأيدي بمجرد وصولها أحياناً أجدها وأحياناً لا أجدها.

دار الحديث سجالاً وأستعد الصديق أحمد ملائكة بحكم تردده تلك الأيام بين مكة والقاهرة أن يورد لنا الصحف والمجلات ويحصل لنا على وكالات لتوزيعها بالمملكة ليكون نشاطنا الثقافي أوسع كما يفعل ذلك بالنسبة لدور النشر المصرية ويورد لنا مختارات من الكتب.

وأستعد أخونا الأستاذ الأصفهاني أن يتولى القيام بتخليص ما يردنا من الجمارك بجدة ويرسله إلينا ويتولى فرع المكتبة في جدة وقال الصديق الأستاذ عبد الرزاق بليلة بأنه مستعد لإدارة المكتبة بمكة المكرمة وتطوعت أنا بإدارة الشركة وحساباتها ومراسلاتها ومساعدة الصديق عبد الرزاق بليلة في المكتبة.

وبعد أن وصلنا إلي هذه النقطة راحت السكرة وجاءت الفكرة- كما يقول المثل- أين نجد الموقع الذي نقيم فيه المكتبة وكان مقر المكتبات باب السلام كبيرة وصغيرة وليس فيه دكان شاغر وخروجنا عن هذه المنطقة لا يضمن لنا النجاح وخاصة أننا عزمنا ألا نعتمد على أرباح الصحف والمجلات والكتب الأدبية فقراء هذه الأصناف من الغلابة أمثالنا الذين يوفرون أثمان ذلك من مصاريفهم الشخصية وعلي حساب رفاهيتهم ولكن نعتمد على أرباح الكتب الدينية والمصاحف التي تروج سوقها في موسم الحج ولو إبتعدنا عن هذا السوق- سوق باب السلام- فلن نفتح وسيكون الإفلاس نصيبنا.

وأعملنا فكرنا ونبشنا في ذاكرتنا حتى تذكرنا الصديق عبد الحليم الصحاف وهو صاحب مكتبة بباب السلام الصغير- أبا عن جد كما يقولون- ولكنه قفل المكتبة وتوظف في مديرية الأوقاف بمكة المكرمة- قبل أن تصبح وزارة- ولكنه متمسك بالدكان يستأجره ويجلس فيه كل جمعة لمجرد الصلاة وكنت أنا أجلس معه ونصلي الجمعة أمام باب الدكان.

تمسك بالدكان خوفاً من غدرات الوظيفة فقد يضطر إلي الرجوع إلي صنعة أبية- كما يقولون- وفوضني الأخوان بالتفاوض معه ولقيته يوم الجمعة كالمعتاد وبحثت الأمر معه فكان جوابه أنه لا يستطيع التخلي عن الدكان وإلا أن يكون شريكاً معنا فى المكتبة الجديدة فوافق الزملاء وعقدنا الشركة واستلمنا الدكان وفتحناها وتبرع لنا الزميل أحمد ملائكة بمكتبته الخاصة لنزين بها رفوف المكتبة لئلا تظهر خاوية على عروشها وبدأنا بالصحف والمجلات وجعلنا شعارنا المطبوع على أوراقنا- أربح قليلاً تكسب كثيراً- وبدأنا العمل باسم الله وعلي بركة الله وبدأت طرود الصحف والمجلات الأسبوعية والشهرية فقط ولم نتورط في أي صحيفة يومية لأن البريد كان يصل من مصر في الشهر مرتين فقط وعلي البواخر أي كل خمسة عشر يوماً مرة فكانت المجلات الأسبوعية تأتي كل عددين معاً والشهرية عدداً واحداً وكنا نشترط على المشتري أن يأخذ العددين معاً فلا نبيع عدداً واحداً لأننا لو فعلنا وبقي عندنا عدد لم نجد له قارئاً أضعنا المكسب على رأس المال.

وأقبل القراء من كل صوب على المكتبة وشجعها الأدباء الكبار قبل الصغار وتقاطر الطلاب وصرنا نلاحق الزيادات لتحقيق رغبة القراء ثم بدأ وصول الكتب الأدبية الحديثة من مؤلفات مشاهير الأدباء في مصر والعالم العربي إذ كانت مصر هي المصدر الوحيد للمؤلفات العربية حتى لحقت بها لبنان بعد عدة سنوات كثيرة فتعاملنا معها.

بعد ذلك استقال الزميلين محمد حسين أصفهاني وأحمد ملائكة من الشركة لتفرغهما لأعمالهما بعد أن انتقل الأخ أحمد ملائكة إلي مصر نهائياً وأسس مطبعة هناك أخذت كل وقته وتوظف الزميل عبد الرزاق بليلة بالأمن العام وتفرغت أنا بالاستقالة من الأمن العام بعد أن انتقلت إليه من المحاكم الشرعية لأعمال المكتبة مستعيناً بموظف.

في هذه الأثناء فكرت في توسيع نطاق نشاطات المكتبة بالدخول في مجال النشر وأنا أعلم كثيراً من الأدباء السعوديين لديهم مؤلفات لا يستطيعون طبعها ونشرها على حسابهم خوفاً من المغامرة فبدأت المكتبة بنشر ديوان شعر للأستاذ طاهر زمخشري  تحت عنوان (المهرجان) ثم ثنيت بكتاب تاريخ مكة للأستاذ أحمد السباعي ونجح الكتاب الثاني واخفق الأول لأنني أستطعت أن أنظم حملة إعلانات عن تاريخ مكة استغليت فيها أسماء بعض الأسر المكية التي ورد ذكرها في الكتاب وبعض الأحداث الغريبة من تاريخ مكة التي كان يتطلع الناس إلي معرفتها فاقبل القراء على الكتاب ونفذ بسرعة وجرى طبعه بعد ذلك من المؤلف عدة طبعات.

وما تزال مكتبة الثقافة مستمرة في مسيرتها وشعارها أيضاً وهي أول مكتبة- أو على الأصح- أول محل في مكة المكرمة يلتزم بالسعر المحدد فلا مجال عندها للمساومة فكان ذلك مثار غضب عند البعض في أول النشأة حيث تعودوا على المساومة ولكنهم بعد ذلك رضوا.

وخلال مسيرة المكتبة منذ نشأتها افتتحت فرعاً لها بالطائف بمشاركة الأخوين عبد الرزاق كمال ومحمد حسن كمال في باب الريع ومازلت قائمة. وفرعاً آخر بمدينة جدة في باب مكة عمارة الموصلي ولكنها أخفقت وقفلت أبوابها بعد سنتين. وفرعاً ثالثاً في أجياد هو الآخر أخفق وجاءت إزالة موقع المكتبة في أجياد فرصة لإقفالها.

والآن لها فرع آخر بالحجون يكاد يكون هو الأصل بعد أن انتقلت مكتبة الثقافة الأم من باب السلام الصغير إلي القشاشية ثم إلي سوق الليل حتى انكمشت في كشك وهي الآن على وشك الانتقال منه بسبب مشروعات توسعة المسجد الحرام وما حوله للتوسعة على المصلين من ضيوف الرحمن في سلسلة المشروعات العملاقة.

والله الموفق والمستعان.

معلومات أضافية

  • العــدد: 9389
  • الزاوية: كل يوم إثنين
  • تاريخ النشر:
  • الصحيفة: الندوة

اترك التعليق

الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.

المقالات حسب تصنيفات المواضيع

لتحميل المقدمة و العناوين هنا