مؤسسات الطوافة بين التهويل والحقيقة
عندما أكتب عن مهنة الطوافة أو مؤسسات الطوافة لا أكتب دفاعاً عن أحد أو انتصاراً لجهة، ولكني أكتب عن خبرة طويلة وممارسة أطول تزيد على نصف قرن- وأرجو ألا يعتبر القارئ هذا إعترافاً مني بأنني قد أصبحت شيخاً أو هرمت ولكني مع شاعرنا القديم الذي قال:
زعمتني شيخاً ولست بشيخ
إنما الشيخ من يدب دبيباً
فأنا قد مارست مهنة التطويف وخدمة الحجاج وأنا بعد في المرحلة الابتدائية من الدراسة وكنت يومها برتل الحجاج من بيتنا بسرحة الفل قرب المسعى مزهوا كالطاووس معتجرا بالعمامة مجبباً بالجبة أتقدم الحجاج وألقنهم الأدعية المأثورة إبتداء من الخروج من البيت ومروراً بالدخول من باب السلام وعند رؤية الكعبة ثم الطواف والسعي.
ومع إحترامي وتقديري لكل ما يكتب الزميلان محمد أحمد الحساني وعدنان بأديب من نقد هادف بناء وحرصي دائماً على قراءة ما يكتبان فقد لاحظت على ما كتبا عن مؤسسات الطوافة أنهما قد دفعا- بضم الدال- إلي حلبة الصراع بمعلومات غير أمينة ومثيرة- لأسباب سيأتي توضيحها فيما بعد- إستغلالاً لما عرف عنهما من معالجات صادقة نزيهة وأخذ الجهات المسئولة لها بعين الاعتبار، وعدم إلمامهما- إلمامة تامة، بما عانته الأكثرية الساحقة من المطوفين والحجاج من تدهور خلال الثلاثين سنة الماضية نتيجة لتصرفات غير مسئولة من بعض المطوفين وتدخل بعض الوافدين من جاليات أجناس الحجاج المقيمين بالمملكة أو الذين يقدمون مع الحجاج الأمر الذي دفع وزارة الحج للتدخل بعدة محاولات وتنظيمات حماية لمصالح المواطنين ورعاية للحجاج ضيوف الرحمن الذين تبذل الدولة من أجل توفير سبل الراحة لهم جهوداً رائعة وتنفق على ذلك ملايين الريالات كل عام.
لذلك وددت أن أعقب على كلمة الأستاذين الكريمين بالإيضاحات التالية:
1- من المؤسف أن مؤسسات الطوافة التي تبنتها وزارة الحج والأوقاف لصالح المطوفين والحجاج وسمعة البلاد في آن واحد.. من المؤسف أنها تتعرض هذه الأيام لحملات شرسة- رغم أنها في دور التجربة- من فريقين من الناس إستغلالاً لبعض السلبيات التي لا يمكن أن يخلو منها أي عمل جديد والتي ظهرت على أعمال بعض المؤسسات التجريبية متخذين من ذلك وسيلة لتكثيف حملاتهم- على مختلف الصور- الفريق الأول هم سماسرة الحجاج من أجناسهم سواء من المقيمين بالبلاد أو القادمين معهم من "المعاودين" للحج بحكم إجادتهم لغتهم ولهجتهم وحنين الدم حتى لا يبقي للمطوف إلا الفتات إلي درجة بلغت ببعضهم الاستيلاء على جل العوائد الخاصة بالمطوف إن لم يكن كلها وبلغ السفه- بالبعض- وليسامحني أخوتي المطوفين في إستعمال هذه الكلمة- أن يخرج من الموسم مديناً مطارداً في مراكز الشرطة ووزارة الحج من مؤجري الخيام والخدم وغيرهم من الدائنين رغم أن عدد حجاجه يبلغ الآلاف سنوياً!!
الأمر الذي دفع بعض عقلاء المطوفين- أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الأستاذ أحمد السباعي- رحمه الله- والأستاذ على أبو العلا والسيد فؤاد حمدي والشيخ رشاد صميلان والشيخ بكر شرف وآخرين لا تحضرني أسماؤهم الآن الغيورين على سمعة البلاد وكرامة أهلها إلي رفع راية الدعوة إلي إصلاح هذه الأوضاع والقضاء على السماسرة وألاعيبهم بمختلف الأفكار والاقتراحات والمشروعات أكثر من ثلاثين سنة فأخذت الأوضاع تتحسن تدريجياً حتى أصبح أقل المطوفين عدداً من الحجاج يخرج وشركاؤه من موسم الحج رابحين غير مدينين لأحد ولا مطالبين من أحد وتحسنت خدمة الحجاج بالنسبة للسنوات التي قبلها وسوف تتحسن أكثر فأكثر بإذن الله في ظل العمل الجماعي عمل المؤسسات بعد القضاء على سلبيات المؤسسات، وما كان يقع للحجاج من إهمال وإستغلال قبل ذلك أكثر بكثير مما يضخمونه الآن ويهوشون حوله باستثناء عدد قليل من المطوفين كانوا مثالاً الإخلاص والأمانة في خدمة الحجاج وكانت الحرب دائرة بين المطوفين أنفسهم ضد بعض والفريقان اللذان أشرت إليهم مبسوطان ولكن البدء في إنشاء المؤسسات حول اتجاه الفريقين ومن استطاعوا إجتذابه لفلكهم بالتضليل والتشنيع على فكرة المؤسسات ومستقبلها.. حول هذا الاتجاه إلي المؤسسات ليسددوا إليها سهامهم ويتسقطوا الأخطاء البسيطة ليجعلوا من الحبة قبة ويرعبوا المطوفين منها وكأنها الخطر الداهم.
الفريق الثاني- وأنا أحس بالألم عندما أتحدث عنهم- من نفس المطوفين لا يتجاوز عددهم 10% من مجموع المطوفين كانوا هم أيضاً يستأثرون بالفتات الذي يلقيه لهم السماسرة وروافد الفتات فيشاركون غيرهم من الطوائف التي تعمل معهم في خدمة الحجاج وإلا حرموهم منها بما كان لهم من سلطان الانتقال وحرية التعامل مع من يشاءون في تلك الأيام ثم يقذفون هم بفتات الفتات إلي شركائهم المحرومين والذين أصبح لهم الآن شأن كبير ومساواة كاملة في عهد المؤسسات فضاقوا به.
هذا الفريق المتضرر من المؤسسات أيضاً بالعدل الذي توخته في نظامها هو الذي يتعاون مع الفريق الأول- بحكم التعاون القديم- على شن هذه الحرب الضروس على المؤسسات ويشنعون عليها ويلصقون كل نقيصة بغية تفشيلها متصورين أن ذلك سيعيد عجلة التطور إلي الوراء فيعود لهم مجدهم القديم، وهيهات..
2- ومع تقديرى للزميلين الكريمين الأستاذين محمد أحمد الحساني وعدنان بأديب فإني ما كنت أود منهما تسمية العمولة التي تحصل عليها المؤسسات من أجور مساكن حجاجها ضريبة لأن الفرق كبير بين الضريبة والعمولة واستعمال كلمة ضريبة فيه إستفزاز للسلطات، والضريبة جعل إجباري بينما العمولة جعل اتفاقي، والعمولة والتي يسمونها أحياناً دلالة أو سعي أو سمسرة متعارف عليها في مختلف مجالات العمل من بيع وشراء وتأجير وإستيراد وغير ذلك وهذه المكاتب العقارية تملأ أحياء المملكة وشوارعها في كل مدينة تتقاضى مثل هذه العمولة تحت سمع الدولة وبصرها بل ورخصة منها وأحياناً تصل العمولة إلي الملايين ولم يستكثرها أحد ولم يطلق عليها ضريبة فكيف إستجاز الأخوان الكريمان تسمية عمولة المؤسسات وهي لا تتجاوز 10% ضريبة؟! وما هو الفارق بين هذه وتلك؟! أليس تلك أيضاً على دخول المواطنين؟! أم أن التأجير على الحجاج هو الدخل القومي الذي يجب ألا يمس ولا يخضع لما تخضع له كل الدخول؟ وكيف تكون العمولة حرام هنا وإثم كبير وحلال زلال هناك؟ إننا بهذا كمن يضع العسل في زجاجة ثم يكتب عليها "سما" ليرهب الذباب من الاقتراب منها!!
3- إن الفكرة من قيام المؤسسات هو جعل خدمة الحجاج عملاً جماعياً بعد دراسات مستفيضة جرت عدة سنوات تأكد منها أن ذلك في مصلحة الحجاج والمطوفين ووضع في الحسبان وجود سلبيات عند الانتقال من وضع إلي وضع ولهذا سميت هذه المؤسسات تجريبية أي أنها ستستفيد من التجربة خلال سنواتها الأولي لتدارك كل خطأ وإصلاح كل ضرر والخطأ دائماً طريق إلي الصواب.
وكان المفروض أن تقوم المؤسسات نفسها بإستئجار مساكن الحجاج بحكم مسئوليتها عن ذلك كبديل للمطوف ولكنها عمدت إلي ترك الإستئجار للمطوفين كتجربة ربما تكون أرضي للمطوفين ولو أنه فعلت كما فعلت إحدى بعثات الحجاج هذا العام فجلست في مكتبها وتركت أصحاب المساكن المعروضة للتأجير يتهافتون عليها فتحكمت فيهم وخفضت الأجور إلي النصف لا 10% فقط: ولكنها لم تفعل ذلك ولم تتدخل واكتفت بالعمولة لتغطية بعض المصاريف. فأي الحالتين أفضل تلك أم هذه؟!
4- إن العمولة- كما أسلفت- مشروعة ومعمول بها في كل الدنيا وخاصة في التأجير والبيع، والمواطنون الذين كانوا يؤجرون مساكنهم على الحجاج كانوا أحياناً يدفعون عمولتين عمولة للمكتب العقاري وأخرى لصبيان المطوف ولم تقم ضجة كما تقوم الآن بسبب ما يثيره هذا الفريق أو ذاك من المناوئين لقيام المؤسسات مستغلين طيبة بعض الزملاء من الكتاب البعيدين عن مهنة الطوافة وأوضاعها الداخلية.
والعمولة- كما أسلفت أيضاً- بالنسبة للمؤجر إختيارية فلا علاقة للمؤجرين بالمؤسسة وفي وسع أي مؤجر أن يشترط على المستأجر سواء كان مطوفاً أو بعثة أو جمعية أن تكون أجرته صافية لا يدفع عليها أية عمولة كما يجري أحياناً بين البائعين والمؤجرين.
5- كما أن إدارة الفنادق بوزارة التجارة التي منعت منح الفنادق من دفع عمولة للمؤسسات لا أراه صواباً.
فمثل هذه العمولة والتي تظهر أحياناً في ثياب تخفيضات على الأجور شائعة ومعمول بها في كل فنادق الدنيا وقد كانت الفنادق عندنا تدفعها مختارة لمن يتفق معها على إحضار زبائن لها حتى سائقي التاكسي فلماذا تحرمها إدارة الفنادق عندنا بقرار منها؟! ولماذا لا تترك للفنادق حرية العمل وفق مصلحتها؟!
أليس من حق الفنادق تخفيض أجورها؟! فما الفرق بين التخفيض والعمولة؟!
في اعتقادي أن هذا ليس من حقها، وحقها فقط مقصور على مراقبة خدماتها ومحاسبتها على أي تقصير والمعاقبة عليه وتحديد الأجور أما أن تدفع عمولة أو لا تدفع فهذا حق مطلق لإدارة الفندق.
ولأنها بهذا التدخل ستخلق منافسين للفنادق ففي وسع أي مطوف أو أية مؤسسة أن تستأجر عمارة موسمية وتعدها إعداداً مشابها للفندق وتنزل حجاجها فيه وبمرور السنوات تتضاءل مداخيل الفنادق في مواسم الحج- وهي التي تعتمد عليها الفنادق- وقد تفلس وتضطر لقفل أبوابها. فمن يكون المسئول؟! ولماذا لا تترك الخلق للخالق يرزق بعضهم من بعض؟
6- العوائد التي يتقاضاها المطوفون مقابل خدمة الحاج قد حددت منذ أكثر من عشر سنوات تغيرت فيها الأحوال والأسعار والأجور بصورة كبيرة وقد اضطرت المؤسسات لوضع هذه العمولة من أجل تحسين خدمة الحجاج والمزيد من رعايته وتوفير وسائل الراحة له ولم تطالب بزيادة العوائد.
وأنا أنتهزها فرصة كي أرجو من وزارة الحج والأوقاف في إعادة النظر في تعرفة عوائد أرباب الخدمات- ومنهم المطوفون- على ضوء متغيرات الأسعار والأجور.
هذا تعليق موجز على ما يثار هذه الأيام حول مؤسسات الطوافة وضعت فيه بعض النقاط على الحروف وأوضحت فيه بعض الحقائق بصراحة وصدق وإيمان بما أقول أرجو أن أكون قد وفقت.. والله من وراء القصد.
معلومات أضافية
- العــدد: 8028
- الزاوية: في الاسبوع مرة
- تاريخ النشر:
- الصحيفة: الندوة
اترك التعليق
الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.