كل عام وأنتم بخير
حديث اليوم مزيج من الخواطر تجول بخاطر الإنسان في هذا الشهر المبارك. فرمضان شهر الانصراف إلى طاعة الله وعبادته لا بالليل فحسب، بل انشغال دائم بذكر الله وإعراض النفس عن اللغو واللهو. ففي النهار صيام والليل طاعة وكل هذا ترويض للنفس في البعد عن محارم الله والزج بها فيما يحب الله وليس أدعى لصفاء النفس وطهارتها عن الانشغال بذكر الله والابتعاد عن معاصيه. الصوم بالنهار- ولست أعنى الصوم عن الأكل والشرب فحسب بل الصوم الصحيح عن كل محارم الله ودواعي غضبه – يردع عن الفحش والخديعة والإضرار بالناس بانتهاكه أعراضهم. والصلاة في جوف الليل تنهي عن الفحشاء والمنكر. والصدقة أناء الليل وأطراف النهار تدرب النفس على الرفق باليتامى والضعفاء والمساكين، والإحساس بآلام وآمال الآخرين. ومن ثمة فإن هذا الشهر من كل عام كسب كبير للنفس لاستشفائها فيه من جميع أدوائها وأمراضها فأمراض النفوس أخطر بكثير وأعصى علاجاً من أمراض الجسم. فلنسمع إلى هذا الحوار الذي دار بين الرسول - صلى الله علية وسلم - وبين صاحبه معاذ بن جبل -رضى الله عنه-. قال معاذ: أخبرني يا رسول الله عن عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار. قال عليه السلام: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت، ثم أستطرد عليه السلام يقول: ألا أدلك على أبواب الخير؟! الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل. ثم قال عليه السلام: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه. قال معاذ: بلى يا رسول الله. قال عليه السلام: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟! قال معاذ: بلى يا رسول الله. فأخذ بلسانه وقال كف عليك هذا.. قال معاذ: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! قال عليه السلام: ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على وجوهم إلا حصائد ألسنتهم؟! وفي أعقاب رمضان يأتي العيد فيسعد به ناس ويشقى به آخرون، ويسعد الله أقواماً بأقوام وطوبى لمن قدره الله على إسعاد الآخرين. والعيد عادة فرصة من فرص السعادة يتلمسها الناس بين حين وآخر للتخفيف من ويلات الحياة ومتاعبها والانصراف إلى اللهو البريء والمتعة الحلال، فمن أتاه الله تلك السعادة كان عيده عيداً بحق وأستمتع بحلاوة العيد في النفس وحزازاته في القلب ومن حرم من ذلك بصورة من صور البؤس فى هذه الحياة وما أكثرها من صور تجرع مرارة العيد فى النفس وحزازاته فى القلب. وقد رويت في حديث سبق قوله علية السلام عندما سئل أي الناس أحب إليك، قال: أنفعهم للناس قيل فأي الأعمال أفضل، قال إدخال السرور على المؤمن قيل وما سرور المؤمن، قال إشباع جوعته وتنفيس كربته وقضاء دينه ومن مشى في حاجة أخيه كان كصيام شهر واعتكافه. جاء رجل إلى النبي -عليه السلام- فقال: اكسني يا رسول الله فأعرض عنه. فأعادها فقال -عليه السلام- أليس لك جار له ثوبان؟ قال: بلى يا رسول الله قال -عليه الصلاة والسلام-: لن يجمع الله بينك وبينه في الجنة. فأبحث يا عزيزي الصائم عن جيرانك وأقاربك وذوى رحمك، فإن منهم من أستطاع أن يكسوا نفسه وأهله ومن منهم من لم يستطع ذلك. ابحث عنهم وتفقد فستجد كثيراً من المتجملين الذين لا يسألون الناس إلحافاًً تجدهم حيارى لا يعرفون بماذا يعتذرون لأطفالهم وصغارهم عن كسوة العيد ومطالب العيد، وتصور شعورهم يوم العيد عندما يرون أثوابهم فرحين مرحين يباهي بعضهم البعض بما كساه أبوه من فاخر الثياب. ابحث عن مثل هؤلاء وأعطهم مما أعطاك الله تدخل السرور إلى قلوب الصغار، وتفرج كربة الكبار فإن من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. وقبل أن أختم أحاديثي عن رمضان أود أن أذكركم أيها الصائمون بزكاة الفطر التي ورد عنها في الحديث أن صوم رمضان يظل معلقاً بين السماء والأرض ولا يرتفع إلا بزكاة الفطر. وفي الحديث أيضاً عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعم للمساكين فمن أداها قبل الصلاة - أي صلاة العيد - فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات وهي واجبة على كل مسلم ومسلمة حر أو عبد صغير أو كبير صاع من بر أو قمح يخرجها المسلم عن نفسه ومن تلزمه نفقته، والأقربون أولى بالتصدق عليهم بها وصدق الله العظيم «قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى».
معلومات أضافية
- العــدد: 2144
- الزاوية: غير معروف
- تاريخ النشر:
- الصحيفة: البلاد
اترك التعليق
الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.