الآثار بالمملكة
تتملكني الدهشة والاستغراب كلما قرأت في صحفنا عن اهتمام إدارة الآثار عندنا بالآثار في المملكة كآثار ثمود قوم صالح ومناطق الفاو والعلا ودومة الجندل ونجران ولا أقرأ قط عن اهتمامها بالآثار الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة.. هاتان المدينتان الملآيان بالآثار الإسلامية التي يمكن الاستفادة من الاحتفاظ بها وبذكراها كآثار لأسلاف لنا ضربوا أروع المثل في الشجاعة والأخلاق والإيمان.
لم أقرأ قط اهتمامنا بمسجد البيعة.. بيعة الرضوان التي يقول الله عنها، لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة" ولا مسجد البيعة الثانية بيعة الأنصار للرسول عند جمرة العقبة بمنى، ولكل من الموقعين أثر كبير في الفتح الإسلامي وانتشار الدعوة الإسلامية.
لم أقرأ قط اهتماما بغار حراء ولا غار ثور، والأول نزلت فيه أولى آيات القرآن وبدأ فيه الوحي، والثاني سهل خروج الدعوة الإسلامية من محاصرة قريش وأتاح الهجرة النبوية التي انطلق بعدها الإسلام إلى مشارق الأرض ومغاربها.
لم أقرأ قط اهتماماً بذلك البيت المتواضع في رقاق الصاغة الذي كان يسكنه سيد البشر محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) وأمضى فيه شبابه مع زوجته خديجة -رضي الله عنها- وأولاده منها وتربصت به قريش ليلة الهجرة وحاصرته به لتقتله فرجع منه بعد أن طمس الله على أبصارهم فلم يروه، ونام في فراشه ابن عمه علي بن أبي طالب كمثل فذ للتضحية والفداء.
لم أقرأ قد اهتماما بدار الأرقم بن أبي الأرقم بالصفا ودار أبي سفيان قريبا من المروة والأولى كانت أول مدرسة للقرآن وأول مكان لعبادة المسلمين الجماعية قبل أن يسلم عمر بها وتقوى به شوكة الإسلام ويخرج المسلمون لأداء صلواتهم بالمسجد الحرام.
والثانية يذكرنا بذلك الموقف الإنساني الكريم يوم فتح مكة عندما دخلها الرسول فاتحاً منتصراً وقال لقريش التي أذته وعذبت أصحابه وقتلت عمه حمزة وخيرة من أصحابه يوم بدر ويوم أحد: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا "أخ كريم وابن أخ كريم" قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، ثم أمر بالنداء: من دخل المسجد الحرام فهو آمن.. ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن.
ومثل هذه الآثار -آثار أخرى في مدينة الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا تقل أهمية عنها، ما هو مدى اهتمام إدارة الآثار عندنا بهذه الآثار الإسلامية؟ أليست أولى بالاهتمام من آثار الفاو ودومة الجندل ونجران ومدائن صالح وغيرها..؟
أنا لا أدعو للاهتمام بها لاتخاذها مواقع للتبرك والعبادة ولكني أدعو للاحتفاظ بها وبمواقعها وتغيير نظرة المسلمين إليها للعبرة والذكرى والقدوة.. تغيير نظرة المسلمين في عصر العلم والنور وتوعيتهم إلى أن التبرك بالآثار لم يعد وارداً ولا نفع فيه ولا خير منه بل الخير كل الخير والنفع كل النفع في العمل الصالح والإيمان الصادق الذي مارسه وعاشه أولئك الأسلاف الكرام الذين مهدوا لنا الطريق وأناروا السبيل ولم نهزم ولم نخسر إلا بعد انحرافنا وآن لنا أن نعود بترسم الخطا وتذكر الماضي، والذي دفعني للدعوة إلى الاهتمام بهذه الآثار هو هذا المحو الذي استمر لتلك الآثار في مشروعات التوسعة وفتح الطرق، لقد عاش جيلنا وهو يشاهد هذه الآثار ويقف أمامها خاشعاً لله لا لأحد غيره معجبا بأولئك الأبطال وإيمانهم الذي صنع العجائب وسيأتي جيل أولادنا وقد اندثرت كل هذه الآثار إذا استمر هذا التجاهل، فلماذا هذا التجاهل؟ وإلى متى؟؟
معلومات أضافية
- العــدد: 6585
- الزاوية: كل اسبوع
- تاريخ النشر:
- الصحيفة: عكاظ
اترك التعليق
الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.