مأساة سجين وأسرته
لا أظن أن جريمة يمكن أن توضع في قمة الجرائم غير جريمة القتل.. قتل النفس التي حرم الله، ومع ذلك فإن الشارع الحكيم - وهو أدرى بمصالح العباد وأعدل في تقديرها - حدد عقوبتها بالقصاص في حال وبالدية في حال أخرى ونقلها من المعسر إلى عاقلته وإلى بيت مال المسلمين في حالة الإعسار وفقدان العاقلة.
وبالطبع فإن كل الجرائم الأخرى تقع دون هذه القمة وتبعا لذلك تقع عقوبتها أهون وأخف.
ومأساة أسرة السجين شوعي بن أحمد الشبيلي المكونة من سبعة أطفال وزوجتين.. مأساة إنسانية خليقة بالتدبر والتأمل بعيداً عن العواطف أو أحاسيس الحقد والكراهية.
إن مأساة هذا السجين – ومن واقع أوراق قضيته تتلخص في أنه استطاع أن يبتز مبلغاً ضخماً من المال يقدر بسبعين ألف ريال من آخر كان يطمع في أن يستعيض عن هذا المبلغ بكنز من الذهب لا يغنى..
وعجز صاحبنا أن يستخرج الكنز الموهوم واستفاق صاحبنا الآخر من أحلام الكنوز وخيالات الثروة الباردة.. استفاق على حرقة الألم وخيبة الرجاء.. استفاق وقد أضاع الكنز الذي في يده بحثاً عن كنز موهوم.
وكان عليه أن يلوم نفسه قبل أن يلوم غريمه، ويحمل نفسه شيئاً من مسئولية فقدان هذا الكنز ولكنه ألتمس لنفسه المعاذير وانحي باللائمة.. كل اللائمة على غريمه وسايرته السلطة التنفيذية وأودع السجن منذ أربع سنوات ذاق فيها أطفاله ونساؤه طعم البؤس والشقاء دون ذنب جنوه.
وأربع سنوات من السجن مع الإحساس بما تتجرعه أسرته من غصص الحياة نعتقد أنها كافية وكافية جداً في العقوبة والردع والزجر مهما بلغت خطورة الجريمة.
بقى سداد ما ابتزه بطريق غير مشروع وهو ملزم به بلا شك وعليه أداؤه ولكنه سبق أن بدده وصرفه ولم يبق تحت يده شيء منه وأصبح في عداد المعسرين وبات لزاماً على غريمه أن ينظره إلى ميسرة.
أما بقاؤه في السجن حتى يدفع فإنه لا سند له من نظام ولا شرع بل أنه حرام.. نعم حرام كما أفتى بذلك فقهاء الإسلام.
بقي أيضاً أن نسأل لمصلحة من يظل سجيناً إلي الأبد وتتجرع أسرته غصص الحياة ومتاعب العيش؟!
ألمصلحة خصمه؟! لا نظن فإن من مصلحة خصمه أن يطلق ليعمل وينفق على أسرته ويسدد شيئاً من دينه..
لمصلحته هو؟! لا نظن هذا أبداً ولا يقول به عاقل!!
أم لمصلحة المجتمع؟! لا نتصور هذا أيضاً لأن لكل جريمة عقوبة ينبغي أن تقف عندها ولا تتعدى حدودها ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه.
والعجيب في الأمر أن القضاء لم يحكم عليه بأية عقوبة!!
وبعد.. فإن قضية هذا السجين ذات شقين.. حق خاص.. وحق عام..
أما الحق الخاص فقد قال القضاء العادل فيه كلمته التي ينبغي أن نقف عندها فقد صدر حكم شرعي بثبوت إعساره والله سبحانه وتعالى يقول: «وأن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة». وليس لنا أن نستبدل كلام الله برأي أو قانون!!
أما الحق العام فالعدل يقضى أيضاً أن يحال أمره إلى القضاء وما يحكم به أيضاً يجب تنفيذه في الحال وما نخاله يحكم عليه بأكثر مما تجرع.
أما مطالبته بكفيل غارم لتسديد ما عليه وهو على ماهو عليه من الضخامة فإنه حكم عليه بالتأبيد - وسوف لا يجد من يكفله بحال من الأحوال - ونقترح لمصلحته ومصلحة غريمه ومصلحة أسرته أحد أمرين:
(1) إطلاقه وتشغيله بإحدى دوائر الأمن وتحت مراقبتها وحسم جزء من مرتبه لصالح غريمه شهرياً.
(2) أو إطلاقه وبقاءه تحت المراقبة خارج السجن ليبحث له عن عمل يقتطع منه أيضاً حصة لغريمه على أن يثبت وجوده بالبلد الذي يختار الحياة فيه ويكلف يوميا بالحضور إلى أقرب دوائر الشرطة لمسكنه – قبل ذهابه إلى عمله.
وبغير إحدى هاتين الطريقتين لا يمكن أن تحل مأساة هذه الأسرة ولا مشكلة هذا السجين.
وها نحن نضع هذه المأساة تحت أنظار سمو وزير الداخلية ضارعين إلى الله أن يوفق سموه فيقدر حلها على يديه.
معلومات أضافية
- العــدد: 1188
- الزاوية: كل صباح
- تاريخ النشر:
- الصحيفة: الندوة
اترك التعليق
الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.