لقد برح الخفاء
وهكذا تكشفت اجتماعات القاهرة الانفصالية عن الأهداف الحقيقية لخلق هذا الانفصال وهي التمهيد لجر العالم العربي بأكفه إلى حظيرة الشيوعية الدولية وليلقى نفس المصير الذي لقيته دول أخرى سبقت إلى هذه الحظيرة بالإغراء والتحبب حتى إذا وقعت بين فكي الدب لم يعد لها من الأمر شيء.
لقد صرح أحد الأقطاب الخمسة – كما جاء في جريدة الحياة البيروتية 6-4-1387 - بأن دول المؤتمر الخماسي الثورية لا تريد أن تكشف خططها لسائر الدول العربية أي أنها ستنفرد بإزالة آثار العدوان..
ثم كشف خطيب آخر عن هذه الخطط فرسمها كالآتي:
أولا: الإعلان أن أمريكا وبريطانيا وألمانيا الغربية وقفت إلى جانب إسرائيل وأيدتها.
ثانيا: الاعتراف بأن الدول الشيوعية والقوى المتحررة هي الحليف الطبيعي للنضال العربي والعمل على توثيق العلاقات العربية معها.
ثالثا: إشراك الأسلحة الاقتصادية والعسكرية والسياسية في المعركة.
رابعا: إزالة آثار العدوان.
وبغير هذه الشروط لا يمكن لقاء بين الدول الثورية والدول العربية الأخرى.
ومن هذين التصريحين يستطيع المواطن العربي أن يدرك مدى خطورة المؤامرة على مستقبل البلاد العربية والمغامرة بها في أسواق المساومات الدولية واندفاع اليسار العربي في سبيل كسب معركة صغرى تنشب بعدها معركة كبرى تنتهي بعدها البلاد العربية إلى مصير سبقتها إليه دول المجر والتركستان ومسلمي آسيا الوسطى ويلقى الزعماء العرب نفس المصير الذي لقيه زعماء تلك الدول بعد تسليمها للشيوعية.
ومن هذين التصريحين أيضا يستطيع المواطن العربي أن يستشف مدى الانحراف في سلوك اليسار العربي ومدى قدرته على إخفاء الحقائق في سبيل تبرير هذا السلوك.
إزالة آثار العدوان تأتي في آخر الخطة أي بعد عمر طويل قد لاتصل إليه البلاد العربية إلا وهي تحت النيل الشيوعي – لا سمح الله – إذا استمر هذا الاندفاع نحو الشيوعية – فيحال بينها حينئذ وبين ما تريد لأن إسرائيل من الدول الاشتراكية.
أمريكا وبريطانيا وألمانيا الغربية هي وحدها التي وقفت إلى جانب إسرائيل – هكذا – أما الست والأربعين دولة التي صوتت ضد الدول العربية والعشرون دولة التي امتنعت عن التصويت معها فإنها لا تعد واقفة بجانب إسرائيل ولا مؤيدة لها على حد رأي الدول الثورية بل ما زال يعد بعضها صديقا حميما كالحبشة مثلا..!!
صحيح أن موقف أمريكا وبريطانيا وألمانيا الغربية كان أظهر عداء للعرب وانحيازا إلى إسرائيل.. موقف خسرت فيه صداقة مائة مليون عربي يقف خلفهم ستمائة مليون مسلم وضحت بمصالح لا تعد ولا تحصى من أجل كسب صداقة هذه الدويلة المسخ التي ولدت وهي تحمل في تلافيف جسمها جرثومة الفناء.
ولكن – وما أمر ولكن هذه – ألا يسأل العرب أنفسهم – أو على الأصح الثوريون منهم – عن مواقفهم من أمريكا وبريطانيا وألمانيا الغربية ؟! هل كانوا يظنون أن هذه الدول وقد حاربوها في كل مجال وأظهروا لها العداء في كل مناسبة وصادقوا أعداءها .. هل كانوا يظنونها سوف تنسى لهم كل ذلك فتقف إلى جانبهم وتؤيدهم؟! هل بلغ بهم العبط.
تغفر لهم تلك الدول كل أعمالهم ضدها لا في أقطارهم فقط بل في كل مكان في العالم – وما سببوه لها ولرعاياها ولمصالحها ومصالحهم من متاعب ومصاعب ثم تنصرهم وتقف إلى جانبهم؟
إننا لسنا نلتمس العذر بهذا لأمريكا وبريطانيا وألمانيا الغربية ولكنا نسترعى الانتباه إلى أن من يريد المبادأة والمحاربة أن يتحسس من نفسه الكفاءة والقوة والمقدرة على الانتصار.
في النهاية بنفسه لا بالاعتماد على الآخرين فالاعتماد على الغير ليس من خلائق الأبطال.
لقد فطنت إسرائيل إلى هذه النقطة فكانت على وفاق مع المعسكرين الأمر الذي أرغمهما على الوقوف بجانبها وعدم التخلي عنها سياسيا وعسكريا بخلاف العرب الذين أخذ فريق منهم يتبع سياسة اللعب على الحبال فاندفع إلى العداء السافر الذي أخذ يزداد يوماً بعد يوم حتى بلغ نقطة اللارجوع فخسر العرب الأنصار وعجزوا عن إيجاد أغلبية تؤيدهم في أبسط قواعد العدل وهى الانسحاب عن أراضيهم المعتدى عليها فضلاً عن إدانة إسرائيل.. أو إزالتها؟
وتأتى الخطة الثانية بعد حصر التأييد في الدول الثلاث الاعتراف بصداقة الدول الشيوعية وتوثيق العلاقات معها. أما بقية الدول الأربعة والخمسين التي وقفت إلى جانبنا فإنها ليست أهلا لصداقتنا لأنها ليست شيوعية ولا متحررة..
منطق عجيب.. هو منطق الثوريين دائماً.. وبمقتضاه يمضى المخطط الثالث وهو إشراك الأسلحة الاقتصادية والعسكرية والسياسية في المعركة.. أي على العرب أن يضعوا بيضهم كله في سلة واحدة.. وهى سلة الشيوعية الدولية فوجهوا اقتصادهم توجيها شيوعياً رغم ثبوت إفلاس الاقتصاد الشيوعي في كل مكان.. ويسلحوا جيوشهم بالأسلحة الشيوعية وإن كان المفتاح سيظل في أيدي زعماء روسيا.. وينموا إلى المعسكر الشيوعي الهزيل في المجال الدولي ولو كان هذا الانضمام لا يسقيهم شربة ماء ولا يحقق لهم سوى الاندحار.
لقد برح الخفاء ووضح الصبح لدى عينين ولم يعد هناك أي شك في أن المخطط الرهيب لإيقاع الوطن العربي في حبايل الشيوعية العالمية قد دخل دور التنفيذ العملي وأن مسئولية الحكام العرب الآخرين فى دفع هذا الشر أصبحت اليوم أمام امتحان قاسى فإما أن تستمر المجاملة والمداراة وتقع البلاد العربية بين براثن الشيوعية – لا سمح الله – ويفجع المسلمون في أعز مقدساتهم وينادون : واإسلاماه!!
وإما أن يدرك الحكام العرب مسئوليتهم فيقفوا صفاً واحداً ضد هذه المحاولات الخطيرة ويدحروا الشيوعية ودعاتها وركائزها في البلاد العربية إلى الأبد..
إنهم إن لم يفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير..
نقولها مرة أخرى لقد آن الأوان لاستبدال مؤتمرات القمة العربية بمؤتمرات قمة إسلامية فليس أقدر على دحر الشيوعية والصهيونية إلا الإسلام.. والله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين..
معلومات أضافية
- العــدد: 2579
- الزاوية: كل اسبوع
- تاريخ النشر:
- الصحيفة: الندوة
اترك التعليق
الحقول التي تحمل علامة * مطلوبة.