الاتجاه إلى تفريغ ما حول المسجد الحرام بمكة وحول الجمرات في منى من السكان والمباني في التخطيط الجديد يبدو – على الأقل في رأيي أنا – اتجاه تكشف من الآن عن عدم نجاحه وسيتكشف في المستقبل عن أكثر فأكثر لسبب بسيط هو أنه ثبت من التجربة خلال السنوات الأخيرة الماضية وخاصة موسم حج 1395ﻫ أن الحجاج يرفضون الإقامة بعيداً عن المسجد الحرام ومناطق الجمرات وأكثرهم يعجزون عن دفع الأجور للمناطق القريبة التي أصبحت باهظة بسبب هذا التفريغ فلجأوا إلى الإقامة في أروقة المسجد الحرام نهاراً والنوم في الشوارع ليلاً حتى لم يتركوا رصيفاً ولا موضعاً إلا واتخذوه مناماً ومقاماً ومطبخاً ومطعماً وملقى لأقذارهم ومسيلاً لمياههم بصورة مزرية.. ليس هذا في مكة فقط بل عند الجمرات وفي شوارع منى القريبة منها يأكلون ويشربون وينامون ويلقون فضلاتهم.. وسيزداد هذا الوضع سوء كلما استمر الهدم والتوسعة حول المسجد الحرام، واستطيع أن أجزم أن أي توسعة لن تجدي شيئاً للمرور – مشاة وركباناً – لأن هذا النوع من الحجاج قد سدوا جميع الشوارع وعرقلوا المرور.
وأعتقد أن تجربة رمضان الماضي التي أقامت فيها إمارة منطقة مكة مخيمات للمعتمرين خارج مكة – وهم على درجة من الوعي أفضل من الحجاج – فظلت خاوية على عروشها واتخذ المعتمرون من المسجد الحرام مقراً لمأكلهم ومشربهم ولعب أطفالهم.
لذلك فإننا نقترح إعادة النظر في هذا الاتجاه والقيام بتخطيط آخر يتجه نحو إقامة عمارات سكنية شاهقة حول المسجد الحرام تستوعب الآلاف من الحجاج وتحوى مواقف سيارات وأسواق تجارية وخدمات وكل ما يحتاجه الحاج بحيث يخرج إلى المسجد إذا أراد على قدميه ويصلى في بيته مع إمام المسجد الحرام إذا خشي الزحام وتعتبر سطوحها ملحقاً بالمسجد الحرام يصلى فيها تخفيفاً عن الضغط على المسجد الحرام بدلاً من الصلاة في الطرقات.
على أن تتولى إنشاء هذه العمارات شركة عقارات مشتركة بين البنك العقاري وأصحاب العقارات القديمة أو الخربة الموجودة الآن بعد تقدير قيامها وتحويلها إلى أسهم وأن يجرى إنشاء هذه العمارات واحدة واحدة بحيث ينقل إلى العمارة الأولى سكان المنطقة التي يراد إنشاء العمارة الثانية عليها تلافياً لازدياد حدة أزمة السكن.
أما في منى فإننا نقترح السماح لأصحاب المباني التي حول الجمرات بإنشاء عمارات سكنية على نفس الطراز أو قيام نفس الشركة بها وترك الأرض مناخ تقوم الدولة بتوزيعه على فقراء الحجاج بعد تزويده بجميع الخدمات وترتاح الدولة من المخيمات ومشاكلها مع إقامة عمارات كبيرة أيضاً على الأراضي المناخ الآن بنفس الطريقة.
الإسكان بمنى:
أما مشروع الإسكان بمنى الذي تنوى الدولة إقامته على أساس استيعاب ثلاثة ملايين حاج العزيزية والعدل به فإنني أريد أن أبدى رأيي فيه من الآن على ضوء الفكرة العامة عن الحجاج وهدفهم وشعائر الحج التي يجب أن تؤدى بصورة تختلف تماماً عن فكرة السياحة وإمكانية إقامة مخيمات أو مساكن في أي منطقة يمكن استكمال حاجات السائح فيها، فمشاعر الحج موحدة لا يمكن تكرارها، فمن المستحيل إيجاد بديل عن الكعبة أو المسعى أو الجمرات أو عرفات أو منى التي يجب على كل حاج الطواف والسعي والرمي والوقوف والنوم بها.
إن فكرة التوسع عن طريق الابتعاد عن المشاعر فكرة غير سليمة وستؤدى إلى ضياع الجهود فيها، فالحجاج سيتركون القصور فضلاً عن المخيمات إذا ابتعدت عن مناطق المشاعر ويؤثرون الإقامة في الشوارع تحت وهج الشمس وقرص البرد على الابتعاد وخاصة أن أكثرهم من طاعني السن والمرضى والنساء، وقد رأينا بأعيننا هذا العام ماذا جرى حول المسجد الحرام والجمرات كيف ترك الحجاج مخيماتهم في أعلا منى ليتمكنوا من رمى الجمار، ولا يقل قائل أن المواصلات ستسهل الوصول في المستقبل فإن للمواصلات أزمات ومشاكل أشد وطأة من أزمات الإسكان ومشاكله.
إننا نرجو أن يعاد النظر في مشروع الإسكان على أساس أن يكون حول المشاعر وقريباً منها كما أسلفنا في صدر هذه الكلمة سواء في مكة أو منى.
ونود أن نلفت الانتباه إلى أن مشكلة الحج ليست هي الإسكان وحده، فإذا وفرنا المساكن للعدد القادم نكون قد حللنا المشكلة. إن لمضاعفة أعداد الحجاج مشاكل كثيرة أهمها – في نظرنا – الأمن والقوى البشرية وتأتى بعدها الخدمات الأخرى كالرعاية الصحية والمياه والكهرباء والتلفونات والغذاء، فقد رأينا أيضاً كيف وقع نقص في الخبز أيام منى وكيف تاجر به ضعاف النفوس مع المرتزقة، وكيف عجزت الرقابة عن مطاردة المتاجرين به وأولاً وأخيراً ماذا لاقى موظفو الدولة وجنودها وأمراؤها من مشاق ومتاعب خلال أيام الحج وعدد الحجاج لم يبلغ النصف مما نتوقع الوصول إليه ونشجع عليه.
وقبل كل شيء نود إعادة النظر في ضرورة تحديد عدد الحجاج بالعدد الذي نستطيعه الآن، فإذا مضى موسم الحج مريحاً للدولة والحجاج وفي الإمكان زيادة طاقاتنا سمحنا بزيادة العدد وإلا وقفنا عند حد الطاقة ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
وفي اعتقادنا أن جميع الوزارات والمصالح الحكومية قد استنفذت إمكانياتها البشرية في موسم الحج الماضي فجندت وزارة الحج ووزارة الداخلية ووزارة البرق والبريد والحرس الوطني موظفيها وجنودها وإمكانياتها ومع ذلك كان العجز واضحاً؟! فماذا ستعمل في موسم الحج القادم إذا زاد عدد الحجاج؟!
هل نستورد طاقات بشرية؟!
وليست المصالح الحكومية هي التي عجزت بل جميع الخدمات الشعبية الأخرى كالأفراد والمطاعم والمطوفين وكل القائمين على خدمة الحجاج عجزن ودفعت أجوراً خيالية للعمال فارتفعت الأسعار.
وعندما نطالب بتحديد عدد الحجاج لا نعنى بذلك تثبيت العدد بحيث لا يزيد أبداً ولكننا نطلب تحديده على قدر طاقتنا الحالية فإذا زادت إمكانياتنا وأحسسنا بالتجربة لا بالتخمين والتقدير أن عندنا فائضاَ من الإمكانيات زدنا العدد المسموح به وهكذا وليس كما يجرى الآن يحضر الحجاج إلى البلاد وأعمال التوسعة والإمكانيات والطرق لا تزال جارية ولم نقم بتجربتها فعلاً.
فلنقم بتجربة ذلك هذا العام ونقف عند عدد حجاج العام الماضي ونتأكد من فاعلية إمكانياتنا في موسم حج 1396، فإذا مضى الموسم مريحاً مشرفاً أدى الحجاج فيه مناسكهم في راحة ويسر كما نريد لهم ووصل الحجاج إلى مخيماتهم في منى قبل ظهر يوم النحر وأصبحت شوارع منى نظيفة وأوى الحجاج إلى مخيماتهم أو مساكنهم ولم تظهر منى كما ظهرت هذا العام على هذه الصورة المزرية.. روائح.. وأقذار.. وبشر على الأرض وأمكنت السيطرة على الأسواق فلم يصبح سعر الرغيف بريال وكأس الماء البارد بريال والتاكسي بعشرين ريالاً وكل شيء أخذ سعره الموسمي المعقول بحيث لا نسمع شتماً بآذاننا من بعض الحجاج عن الاستغلال وعدم الخوف من الله.
إذا تأكدنا من ذلك ووجدنا عندنا طاقة لزيادة العدد فلنزده وإذا بقى الحال يحتاج إلى زيادة إمكانيات فلنزدها أو حتى تقارب الكمال وحينئذ نفتح الباب رويداً رويداً.
أما أسلوبنا الحالي وهو الاستقبال قبل استكمال الاستعداد فإنه يسئ إلى سمعتنا ويسئ إلى الحجاج أيضاً، وعلينا ألا نغتر ببعض عبارات الثناء التي توجه لنا من بعض كبار الحجاج إما من باب المجاملة أو لأنهم لم يصادفهم شيء مما صادف الأكثرية الساحقة من الحجاج.
إنها مجرد أفكار نضعها تحت أنظار سمو أمير منطقة مكة ورئيس لجنة الحج العليا وسمو وزير الإسكان وسمو وزير الشئون البلدية للدراسة والله الموفق.