عندما أكتب عن الحج والمرور في الحج أكتب عن تجربة وممارسة لأنني منذ أربعين سنة وأنا أمارس الحج سنوياً - والحمد لله - فقد حججت ماشياً وحججت على جمل وحججت على شقدف وحججت على سيارة وأجمل الحجات كانت حجات المشى على الأقدام ورعى الله تلك الأيام وذلك الشباب قبل أن يفشو بيننا داء الركب وألفنا الرخاوة وركوب السيارات فخرجت منا البطون وتمايلت الأعطاف قبل الأوان.
أجل إنني أكتب عن ممارسة وتجربة وأستطيع أن أؤكد أن الزحام وسرعة الوصول أو عسر السير خلال العشرين سنة الماضية كانت نسبية لا فروق كثيرة بين عام وعام بصرف النظر عن زيادة عدد السيارات أو نقصها وإنما هي ظروف السير في كل خط وشدة الضغط أو عدمها لقد قطعت المسافة هذا العام من عرفات ومزدلفة إلى منى فمكة في خمس ساعات وقطعها أخ لي في تسع ساعات والسبب هو اختلاف خطوط السير ضغطا ونفس الشيء كان يقع لي ولغيري خلال السنوات الماضية أناس يصلون مبكرين وآخرون تشرق عليهم الشمس ولم يتجاوز الفرق بالنسبة لي خلال هذه السنوات الطويلة أكثر من ساعة نقصاً أو ساعة زيادة وقد وصلت في إحدى السنوات القريبة إلى مكة قبل منتصف الليل فاضطررت أن أنتظر المنتصف لأتمكن من أداء طواف الإفاضة وأخرت الرجم إلى الصباح ولا أعنى من ذلك الإقلال من جهود رجال المرور كل عام ومحاولتهم تحسين السير والتخفيف من اختناقاته فإنني أشهد بصدق أنهم يحاولون جهدهم كل عام للتحسين ويبذلون من طاقاتهم منتهي الجهد ولكن ليس معنى هذا أن تترك لخططهم أن تؤثر على مصالح الناس بل تضربها وترهقهم دون أن تقول لهم لا إن من حق خبراء المرور أن يبدو رأيهم ويعلنوا خبراتهم في طرق السير وتنظيمه إلى الحدود التي لا تضر بمصالح الآخرين فإذا بدأت تمس ذلك من قريب أو بعيد كان لزاماً علينا أن نقدر الآثار المترتبة ونتأكد من الربح والخسارة والإضرار والمنافع فإذا أصبحت المسألة ضررها أكبر من نفعها وجب إعادة النظر فقد ثبت من استقراء خطط المرور ونتائجها في السنوات الماضية أنها تهدف أن يقال أن المرور كان سهلاً والزحام مقبولاً أما كيف وعلى حساب ماذا فإنه لم يوضع في الحسبان وغير مهم؟
لقد قلنا في كلمة سابقة أن التشديد في منع الوقوف مع عدم تواجد مواقف ومنع دخول السيارات الصغيرة إلى دخول مكة مع عدم توفر البديل قد أضر بالمواطنين والحجاج ضرراًَ بالغاً وعانوا منه معاناة شديدة فإنه من الأصوب استطلاع رأي المواطنين والاستماع إلى آراء عدد منهم من ذوى الرأي والتجربة وخاصة الذين تضررواً من الخطة كالتجار والمطوفين والذين يسكنون داخل البلدة والذين يعملون خارج مكة ويعودون إليها يومياً.
إننا نتحمل الكثير والكثير جداً في سبيل تيسير الحج على الحجاج ولا أدل على ذلك من هؤلاء الحجاج الذين يفترشون الشوارع والجسور والإنفاق وينشرون الأقذار والأوضار فلا يمنعهم من ذلك من قبيل مساعدتهم على أداء الفريضة فكيف يضع المرور خطة تمنع الحجاج من داخل المملكة من أداء هذه الفريضة أو تضع في طريقها العراقيل؟ أليسوا كلهم حجاجاً؟ ألا يمكن أن يكونوا يؤدون الفريضة مثل أولئك تماماً ولهم علينا مثلهم؟
إن لكل شىء حدوداً فإذا تجاوزها انقلب إلى ضده أي تحول المنفع إلى ضرر فمنع الوقوف قطعياً في جميع شوارع مكة حتى الواسعة منها أو الفرعي تجاوز للحدود وتشدد لا مبرر له، إن معناه القوا سياراتكم في الخلاء أيام الحج, لا تركبوها.. اركبوا جميعاً خطوط البلدة العافي والمريض والشيخ والشباب، من يسكن السهل أو يسكن الجبل، من تصل الخطوط إلى منزله ومن لاتصل، من يقع هدفه داخل منطقة الحجاج ومن لا يقع، إن وجدت هذه الخطوط أو لم توجد !