إذا كان الشاعر العربي بكى على سرب القطا إذا مررن به فقد بكيت وأنا أمر بالمنطقة التجارية والفندقية التي تقع شرق المسجد النبوي والمهندسون يقومون بتمتيرها تمهيداً لهدمها في نطاق توسعة المسجد النبوي الجديدة..
نعم بكيت وحق للكثيرين من أصحاب الأموال والسكان في هذه المنطقة وأنا طبعا لست واحد منهم البكاء وأنا أتصور هذه الفنادق والمتاجر التي تزهو بمظاهرها وتظهر المدينة المنورة بالمظهر اللائق بها وقد دكت وسويت بالأرض ثم تحولت إلى ملجأ ونادي للحجاج وأمتعتهم وأكلهم وشربهم بل وطبخهم كما هو حاصل بالمسجد الحرام ولم تجد كل الأجهزة سبيلاً لتنظيفه وصيانته.
وهنا نقف نتساءل؟ هل قضت توسعة المسجد الحرام هذه التوسعة الضخمة الكبرى على الزحام داخل المسجد؟ وهل قضت توسعة الشوارع وإبدال المساكن والمتاجر بمواقف للسيارات على زحمة الشوارع وأزمة المرور؟ أم أننا ما زلنا ندور في الحلقة المفرغة. توسيع وتضيق وما زال المشوار بعيداً لقد كانت توسعة المسجد النبوي السابقة معقولة وتوقفت عند حد فاحتفظت المدينة المنورة بمظاهر شوارعها ومبانيها حتى جاءتها هذه التوسعة الثانية لتسلبها ذلك وترجع شوارعها كشوارع مكة ليس فيها شارع واحد سليم من التشوهات بسبب العمائر القديمة والخرائب التي أطلت برأسها على أثر الهدميات.
ولعل من المفارقات أن أعمال وزارة الإسكان التي نشطت في جدة والرياض والدمام وبدأت تؤتي أكلها لم تمتد حتى الآن إلى المدينتين المقدستين رغم حملة الهدميات والتوسعات التي تكتسحها ورغم أنهما من المدن الموسمية التي تكتظ بالحجاج في مواسم خاصة وحاجتهما الملحة إلى المساكن والمتاجر قبل هدم ما تبقى منهما.
وفي اعتقادنا أنه ليس من الضروري أن يصلي جميع الحجاج أو الزوار جميع الصلوات بالمسجد الحرام أو المسجد النبوي وليس من الضروري أن نجعل المسجدين كافيين لاجتماع هذه الملايين من المسلمين في وقت واحد وقد نظر الإسلام بظهر الغيب إلى استحالة هذا الجمع حتى في منى وعرفات ومزدلفة فتوسع في أوقات الوقوف في عرفات مثلاً من بعد ظهر يوم التاسع إلى فجر يوم العاشر وفي المزدلفة من الغروب إلى طلوع الشمس وفي منى يومين أو ثلاثة والطواف في الحج طواف واحد فقط.
وفي العمرة أيضاً كذلك وزيارة المسجد النبوي تكفي فيها صلاة واحدة وتصلي بقية الصلوات في المساجد الأخرى ومكة أو كلها المسجد الحرام فالصلاة في أي جزء منها صلاة في المسجد الحرام كل هذا التسهيل لئلا يكون على المسلمين حرج في أداء مناسكهم أو إعنات لسكان هذه الديار.
وهذه المساجد حول المسجد النبوي وقريبة منه كمسجد الغمامة ومسجد قباء والمساجد السبعة كلها تدل أن الصحابة كانوا لا يفردون المسجد النبوي بصلاتهم بل يصلون هنا وهناك فلماذا نكلف أنفسنا ما لا نطيق؟! لماذا نصرف هذه الملايين وأمامنا احتياجات أخرى أولى بالتقديم فقد جعلت كل الأرض للمسلمين مسجداً وطهوراً؟
كل المدن في الدنيا حتى أرقى الدول حضارة لا تزال تحتفظ بأحيائها القديمة وشوارعها الضيقة وأشكالها التاريخية والأثرية ونحن نازلين فيها هدماً ومسحاً باسم التوسعة.. التوسعة للصلاة.. والتوسعة للمرور.. والتوسعة لوقوف السيارات.
والمطاف لماذا هذه التوسعة التي بلغت أكثر من عشرة أضعاف المطاف الحالي دفعة واحدة وكانت الزيادات على مدى التاريخ زيادات تدريجية وهل سيكون في وسع المسلم أن يطوف في هذه المسافة التي جعلت الطواف عشرة أضعاف الطواف؟ أم سيعجز ويترك الطواف أو يؤجله؟
ولماذا لا نلجأ إلى التنسيق في كل شيء بدلاً من هذا السباق مع الزمن؟ الطريق إلى المسجد الأقصى في مدينة القدس يمر بشوارع ضيقة لا يزيد عرض الشارع عن مترين.. شوارع طويلة ملأى بالمتاجر المفعمة بالتحف والهدابا ولا تدخلها السيارات بل تقف بعيدا منها ويصل المصلون والزوار مشاة إلى المسجد..
هناك أسلوبان لحل أزمة المرور والمواقف حول المسجد الحرام: أحدهما أن يمنع دخول السيارات كلياً من المعلاه بالنسبة لأعلى مكة وجرول وبالنسبة لأسفل مكة باستثناء سكان المنطقة الذين يجب أن يمنحوا بطاقات خاصة للدخول على أن تسير حافلات خاصة بصورة مستمرة ودائرية تلف حول المسجد الحرام توصل الناس إلي داخل المنطقة وتخرجهم منها وتسير في اتجاهين متضادين بعضها من جرول إلى الحرم إلى الحجون إلى جرول ثانية وبعضها من الحجون، الحرم إلى جرول إلى الحجون ثانية ولكن بصورة منتظمة.
الثاني: أن يكون المنع جزئيا فتمنع سيارات النقل ابتداء من الوانيتات ويستثنى من ذلك السيارات المحملة بالبضائع أو العفش للتفريغ والتحميل ومواصلة السير فوراً وليس كما هو ترابط حول المسجد الحرام أياماً وليالي أو ينزل كل واحد منها بمفرده ليصلي أو يجلس في دكانه تاركاً ونيته طيلة النهار ويأتي حجاج الخليج بسياراتهم النقل لترابط عند المسجد الحرام طيلة أيام الحج ونحن نفضل المنع الجزئي كتجربة مع تأمين المواصلات فقد يصار بعدها إلى المنع الكامل إذا نجحت التجربة.
كذلك بالنسبة للحج والتصعيد والنفرة في الإمكان الاستفادة من توسعة المذاهب على تنفيذ فكرة ترحيل الأجناس حسب مذاهبهم فيرحل كل جنس في وقت غير وقت الأجناس الأخرى فيخف ضغط السير كثيراً ونستغنى عن الكثير من هذه الهدميات والكباري والتوسعات.
أما بالنسبة للطواف والصلاة في الحرمين الشريفين فإن الأمر كما أسلفنا ليس ضرورياً أن يصلي الحاج أو يطوف بالبيت باستمرار ومن السهل تقسيم أجناس الحاج بموجب بطاقات يشرف عليها الإدلاء والمطوفون على الخمسة الفروض فيتجه إلى المسجد الجنس المختص ويبقى الآخرون في بيوتهم أو يتجهون إلى أقرب مسجد إليها.
أعود فأقول أن المواطنين في مكة والمدينة يعانون من هذه الهدميات لا فرق بين مالك ومستأجر وإن كان قلة من الملاك يستفيدون وفريق من تجار الأراضي يفرحون ومظهر المدينتين أصبح محزناً ولم يتم شئ من التحسين يذكر فإلى صاحب السمو الملكي ولي العهد المعظم أرفع هذه الصورة ملتمساً من سموه إعطاء هذا الموضوع ساعات من وقته الثمين واتخاذ ما يراه تجاه الوضع على الطبيعة واسأل الله لسموه التوفيق.