ذكرى اليوم الوطني للمملكة لا تذكر بالمعجزة التي حققها جلالة الملك عبد العزيز – رحمه الله – بتوحيد هذه الجزيرة المترامية الأطراف بعد عهود طويلة من التطاحن والتناحر بين حكامها.. فالذي يقرأ تاريخ هذه المنطقة للفترة التي سبقت هذا التوحيد والقرون الطويلة.. لا يسعه إلا الأسى والأسف على ما كانت تعيش فيه المنطقة من حروب وغزوات وفوضى وعدم استقرار حتى جاء الملك عبد العزيز فجعل من كل تلك الدويلات والقبائل دولة كبرى واحدة تعيش الأمن والاستقرار والنمو المضطرد في جو من الأخوة والمودة.
هذه الذكرى لا تذكر بالمعجزة فحسب.. ولكنها تذكرنا بتلك الشخصية التي ضربت أروع المثل في الشجاعة والإقدام والإيمان والحفاظ على الأخلاق والقيم إلى جانب بعد النظر والحنكة السياسية والدهاء فنصائحه للدول العربية والفلسطينيين بالذات يوم دخلت القضية الفلسطينية الحرب والتي لم تلق آذاناً صاغية يومذاك ما تزال موضع الإكبار والتقدير والتذكر..
هذه الذكرى أيضاً تذكرنا بما كانت عليه الطرق وخاصة طرق الحجاج من خوف وفقدان للأمان حتى كان الحاج يخرج لرحلة الحج كالمفقود ومن يرجع منها سالماً كالمولود فعامل المجرمين بالحزم الذي أعاد رشدهم فعزر بالقطع من خلاف تنفيذاً لحكم الله في المفسدين في الأرض فاتعظ السعداء وقطع دابر الفساد واستتب الأمن والحمد لله..
وتذكرنا هذه الذكرى أيضاً بالخلق الرفيع والتواضع الجم والسنة الحسنة التي سنها جلالته بفتح بابه لكل مواطن وكل متظلم لينصف المظلوم بنفسه يدخل عليه الصغير والكبير والحضري والبدوي ومن يزهو في الحلل ومن يرتدى مهلهل الثياب لا فرق بين مواطن ومواطن واتبع سنته أولاده الملوك والأمراء من آل سعود..
وتذكرني هذه المناسبة بقصة وقعت لي شخصياً في الخمسينات – ولا أذكر السنة بالضبط – ولكنها سنة عجفاء كانت موارد الدولة تعانى منها الأمرين وتأخر صرف رواتب الموظفين وكنت يومها موظفاً صغيراً بالمحكمة الشرعية الكبيرة بمكة.. وكان الموظفون عموماً في ضيق شديد وضنك رهيب..
وفكرت أن اقنع زميلين لي من موظفي المحكمة أحدهما الأخ بكر زمخشري شقيق الصديق طاهر زمخشري لنصعد معاً إلى القصر الملكي – قصر السقاف – ونقابل جلالة الملك عبد العزيز ونطلب منه الأمر بصرف رواتب الموظفين بعد شرح حالتهم في خطاب قصير..
وحزمنا أمرنا الثلاثة وصعدنا وكان يومها هو اليوم الخامس من ذي الحجة وما أن أقبلنا على جلالته ثلاثتنا وليس فينا وجيه ولا عملاق ولا أنيق ولا شيخ – بل لم أتجاوز يومها سن العشرين حتى هب جلالته واقفاً لاستقبالنا وما أن استمع إلى شكوانا حتى هتف لمعالي الشيخ عبد الله السليمان وزير المالية يومذاك وأمره بصرف رواتب الموظفين في الحال.. وقبل أن يصعد الناس إلى عرفات يوم الثامن كانت جميع مرتبات الموظفين قد صرفت وفرج الله كربهم على يدي جلالته..
هذه الحادثة أذكرها دائماً كلما ذكر عندي اسم جلالة الملك عبد العزيز أو رأيت صورته أدخلت هذه الذكرى.. فادعوا الله له بالمغفرة وحسن الجزاء على ما قدم للإسلام أولاً.. ولشعبه وللمسلمين ثانياًَ.. وأرجو الله أن يتقبلها منى لأنها دعوة خالصة.. أنه سميع مجيب.