حتى كبار الكتاب والمفكرين تصدر منهم أفكار ومطالبات تدعو إلى الغرابة وتتناقض مع ما هو مفروض في مثل هؤلاء من حنكة وتدبر.
وعلي الرغم من أن الكلمة التي كتبها الأستاذ الكبير مصطفي أمين في جريدة الشرق الأوسط الدولية بتاريخ 25/6/1386ﻫ عن العمال الذين استغنت عنهم أحدى الشركات لاتهمنا في شيء فإن الفكرة التي وردت في هذه "الفكرة" جعلتني أردد هذه العبارة التي جاءت في صدر كلمتي هذه.
يقول الأستاذ مصطفي أمين في تعليقه على شكوى عدد من العمال أبلغتهم شركة بترولية بالاستغناء عنهم لتوقف بعض أعمالهم بما معناه أن هذا غير معقول في مصر التي لا تأكل أبناءها ولا تسمح بإلقاء ألف وستمائة عامل في الشارع ويطالب وزارة العمل أن تتدخل لإيقاف قرارات الفصل مرددا مع العمال بأنهم أعطوا الشركة ثمانية عشر عاماً من عمرهم وحققت الشركة أرباحاً فائقة بعرقهم وكفاحهم – وكأنهم عملوا مجاناً – فكيف يستغني عنهم الآن.
وأنا لا أدري كيف يطالب الأستاذ أمين بوقف قرارات الاستغناء إذا كانت الشركة فعلاً ليست في حاجة إليهم وهل الشركات والمؤسسات التجارية يمكنها الاستمرار في الحفاظ على جميع عمالها وموظفيها مهما كانت ظروفها أو قلت أعمالها؟! وهل يمكن أن تتحول هذه المؤسسات التجارية التي عندها واحد زايد واحد يساوي اثنين دون أي مساومة إلي مراكز، إنما نطعمكم لوجه الله؟!
إن التجارة والاقتصاد أبعد ما تكون عن العواطف وتخضع لقوانين الربح والخسارة والعرض والطلب، وقد كفلت أنظمة العمل في كل البلدان المتمدنة والنامية أيضاً حقوق العمال في حالة الاستغناء عنهم لمثل هذه الظروف ظروف التوقف عن العمل بالتأمينات الاجتماعية وتعويضات نهاية الخدمة فما معنى أن تتدخل وزارة العمل لإيقاف قرارات الاستغناء؟!
وهل هذا مطلب معقول ومنطق مقبول.
إن قوانين العمل في بعض البلدان تتملق العمال أكثر من أصحاب رؤوس الأموال وهي نزعة غريبة عن الإسلام الذي شرع كل شيء على أساس التراضي والاتفاقات والشروط ولا يوجد في أي عقد من عقود العمل أن يتحول العامل إلي لزقه لا تخرج من جسم صاحب العمل إلا بالدم.
إن الإسلام يسر للرجل التخلص من زوجته وشريكة حياته وأم أولاده إذا شعر باستحالة العشرة.. يسر ذلك بالطلاق فهل يعقل أن نطالب بمنع الفراق بين العامل والآجر حتى ولو استغني عنه وتسمية هذا الاستغناء بأنه تعسفي وكيف يكون تعسفياً وقد أصبح الآجر ليس له عمل؟! هل نفرض عليه صرف ما تبقي لديه من رأس مال على أجور العمال (بدون عمل) حتى يلحق بقافلة المفلسين؟! إن العدل مطلوب من مختلف فئات المواطنين فلا تحابي فئة على حساب الإضرار بفئة. والإسلام – كما أسلفت شرع العقود وجعلها شريعة المتعاقدين وجميع العقود تحدد المدة وكافة الحقوق والواجبات فلماذا ترجح كفة العامل وتوفي له جميع حقوقه ثم يقال للآجر.. لا.. لا تنهي العقد عند انتهائه بل جدده حتى ولو توقف عملك وإلا كنت متعسفاً.
إن السير في طريق التفضيل سير خطر جداً وما أبلغ كلمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن الضعيف فيكم عندي قوي حتى اخذ له الحق والقوي منكم عندي ضعيف حتى آخذ منه الحق أو كما قال هذه هي شرعة الإسلام وهذه هي العدالة الحقة ويجب أن تنحنى كل قوانين الأرض أمام عدالة الإسلام السماوية.
فمتى يعي كتابنا هذه المخاطر فلا يركبون الموجات المستوردة ويعتنقون المبادئ الشاذة.