تفريط بعض الآباء في تربية أبنائهم، أغرى بعض الأبناء بالنيل من آبائهم وأمثال آبائهم تارة بالإذاعة وأخرى بالصحف.
ولو استمرت هذه الموجة من السخط ستكون النتيجة عقوقاً يفقد صلة العرفان بالجميل بين الأب والابن.
والأبناء الثائرون على آبائهم ثلاثة فرق: فريق يقول لماذا يسلك بعض الآباء سلوكاً معوجاً ثم يطالبون أبناءهم بالسلوك المستقيم، ولماذا لا يكون الأب قدوة لأولاده يقتدي به في الخير والشر. وكلام هذا الفريق حق أريد به باطل، وإلا فماذا يضر الابن البار أن يسلك الطريق الذي يختاره لنفسه مهما كان أبوه ممعنا في الاعوجاج ولا نريد بهذا القول أن نخلي الآباء من هذا النوع من اللائمة بل نرى أنهم ملومون كل اللوم لما يحب أن يكون ابنه عليه بل الذي نريد أن نقوله هو أن اعوجاج الأب لا يكون مبرراً لاعوجاج الابن.
أما الفريق الثاني فإنهم يرون أن سلطة الأبوين يجب أن يكون لها حد من السن أنها يجب ألا تتجاوز سن العاشرة بحال فإذا تجاوز الولد هذا السن يجب أن تعطى له الحرية الكاملة، وعلى الأب المسكين أن يعد بعد هذا لابنه الظريف فراشاً وثيراً، ولباساً أنيقاً وأكلاً شهياً ولا عليه بعد ذلك أن يسرح هذا الابن ويمرح، ويأكل ما يشاء، ويشرب ما يشاء.. وينام حيث شاء.. ومتى شاء..
أما التربية الخلقية والسلوك والحماية من التردي في حمأة الرذيلة فذلك ليس من حقوق الآباء طالما أن الابن أصبح – في نظر نفسه – في عداد العقلاء الراشدين.
وينقم الفريق الثالث على بعض الآباء لماذا لا يعاملونهم معاملة الند للند فيلاقونهم منبسطي الأسارير متهللي الوجوه مرحى الأعطاف، كما يقابلون أي صديق أما الشعور بوقار الأبوة وحرمة الفارق في السن فذلك رجعية بغيضة من مخلفات العصور الأولى.
وهؤلاء وأولئك – في رأيي – جانبهم التوفيق، فالأبوان اللذان سهرا الليالي الطوال، وبذلا كل مرتخص وغال في سبيل تنشئة هذا الإنسان منذ طفولته، ولقيا ما لقيا من مشقة النفس وتعب القلب ومختلف الأحاسيس. هذان الأبوان لا يجد الابن، ما يستطيع أن يشعر به أنه أدى بعض ما يجب نحوهما، إلا الطاعة.. الطاعة الكاملة إلا إن جاهداه على أن يشرك بالله شيئاً. أما في ما عدا ذلك فإن عليه الطاعة وهي أبسط مظهر من مظاهر العرفان بالجميل..
وخلاصة الكلام أن طاعة الوالدين واجبة شرعاً وعرفاً، فليخفف هؤلاء الناقمون على آبائهم من غلوائهم وليقصروا من غرورهم وليعتبروا بأولئك الذين ترك آباؤهم تربيتهم فسقطوا ولم ينتهوا إلا وهم في الحضيض، وندم ولات ساعة مندم، وتمنوا لو كان لهم آباء يحسنون تربيتهم ويحمونهم من هذا المصير المؤلم، وليتأدبوا بأدب الإسلام الذي نادى ﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف، ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما، كما ربياني صغيراً﴾، صدق الله العظيم.