بين الفينة والفينة ترتفع الأصوات بالشكوى من الأطباء فهذا يشكو من الطبيب لأنه دعاه لإسعاف مريض بالليل فرفض، وآخر يشكو من الطبيب لأنه استدعاه في وقت القيلولة أو الغداء فأبى حتى يتم غداه وقيلولته، وآخر يشكو من الطبيب لأنه رفع أجرة كشفه عن الآخرين وكثيرون يشكون من عدم عناية أكثر الأطباء بالمرضى الذين يزورونهم بالمستشفى العام، بل يكتفي الطبيب بإلقاء نظرة عابرة على المريض ويسأله: ماذا بك؟ فإذا عين موضع الألم كتب له الدواء المناسب دون فحص، مع أن كثيراً من الأدواء تتحد في موضع الألم وتختلف في الدواء وطرق المعالجة لاسيما وأن هؤلاء المرضى يلاحظون البون الشاسع بين هذه الطريقة في الكشف والأسلوب الذي يتخذه الأطباء في عياداتهم الخاصة.!!
ونحن لا نحب أن نسير في ركاب هؤلاء الذين يتهمون الأطباء في إنسانيتهم باتخاذهم هذين الأسلوبين المختلفين في الكشف ولكنا نحب أن نتريث في اللوم على حد المثل القائل:
تأن ولا تعجل بلومك صاحبا
لعل له عذرا وأنت تلوم
فليضع المريض نفسه مكان الطبيب وليتصور نفسه وقد خرج من عمله الذي قضى فيه ثلاث ساعات ثم رجع إلى داره ظهراً أو ليلاً منهوك القوى منهار الأعصاب يلتمس الراحة لعقله وجسمه ويأمل في ساعة من ليل أو نهار يقضيها بين أهله وأولاده فإذا بمن يطلبه حالاً لإسعاف مريض كثيراً ما تكون حاله لا تدعو إلى القلق، فإذا استمهلته ثوان أو دقائق لإتمام غذائك أو تباطأت في إجابة الطلب بحكم الحالة النفسية التي تعتريك حينئذ، إذا فعلت هذا أو بعضه اتهمك بفقدان الضمير ورماك بالتجرد من الإنسانية.
فالطبيب إنسان يجب أن يمنح من حقوق الإنسانية ما يكفل له الحياة التي يحياها أبسط إنسان على الأقل. فتكون له ساعات للعمل، وأخرى للراحة، ساعات يؤدي فيها واجبه حيال أخيه الإنسان كاملاً، وأخرى يؤدي فيها بعض واجب نفسه وأهله إذا لم يكن كله، فإذا طلبنا من هذا الطبيب أن يصرف جميع أوقاته في الكشف والإسعافات ولا يؤدي لنفسه حقها كبشر، إذا طلبنا منه ذلك فإنما نطلب منه شططا ونكلفه رهقا.
أما هذا "الكشف المرتجل" الذي ينجم عنه علاج مرتجل أيضا فإنه مضيعة للطبيب والمريض ومال الدولة في وقت واحد.
وقبل أن ننحي على الطبيب باللائمة نرى أن من الإنصاف أن نلتمس للطبيب عذراً في عمله هذا أيضا طالما أن المطلوب منه أن يفحص بالمستشفى كل من يتقدم إليه دون تحديد ويرى جموع المرضى يتزاحمون خلف بابه، كلهم يريد الفحص، وكلهم يريد العلاج وبينهم المريض الذي لا يقوى على الجلوس، بله الوقوف، والطفل الذي يقلق ببكائه وصراخه وليس أمامه إلا حل واحد وهو الاستعجال في الفحص ووصف الدواء.
ومشاكل الطب والأطباء هذه تحتاج إلى دراسة وبحث وتحليل، وهما في نظرنا مشاكل لا تستعصي على الحل سيما وعلى رأس وزارة الصحة أمير شاب يعقد عليه الشعب آمالا كباراً في النهوض بهذه الوزارة إلى المستوى اللائق بها.
ونحن إذ نرسم خطوطا لاقتراحات نعتقد أن فيها شيئا من الإصلاح الذي ينشده كل مواطن نلتمس من سمو الوزير الشاب أن يأمر بدراسة هذه المقترحات وإدخال التعديلات عليها، ومن ثمة فإننا نرى من وسائل الإصلاح وإزالة كثيراً من أسباب الشكوى أن:
(1) يزاد عدد الأطباء بحيث يتلاءم مع زيادة السكان المضطردة.
(2) العناية بإيجاد أطباء مختصين في الأمراض لتوزيع المرضى عليهم.
(3) اتسعت رقعة العمران في مكة ولابد من وجود فروع للمستشفى العام في المعابدة وجرول وهذه الفكرة موجودة منذ زمن طويل ولكنها لم تخرج إلى حيز التنفيذ حتى الآن.
(4) يحدد عدد المرضى الذين يفحصهم الطبيب يومياً بحيث يخصص لكل مريض خمس دقائق ويحضر لكل طبيب جميع الآلات الحديثة للكشف لا أن يكتفي بالسماعة كما هو حاصل الآن فالسماعة وحدها لا تكفي لتشخيص جميع الأمراض ولا يفحص الطبيب أكثر من ثلاثين مريضا في اليوم ويحدد عدد التذاكر التي تعطى للمرضى يومياً بعدد الأطباء على أن تحمل هذه التذاكر أرقاما تمنع التقديم والتأخير فلا يستطيع الدكتور أو البواب مجاملة الرجل الطرير – ولم تنشأ هذه المستشفيات لأجله – على الرجل الفقير الذي من أجله تؤسس أمثال هذه المستشفيات. وطريقة تحديد التذاكر هذه معمول بها في جميع البلدان المتمدينة ومنها مصر.
(5) يشترط على الأطباء الحكوميين عدم فتح عيادات خاصة مطلقاً وتقوم الحكومة بتعويضهم عن ذلك بزيادة مرتباتهم صيانة من اتهامهم بعدم إخلاصهم في المستشفى اجتذاباً للمرضى إلى عياداتهم الخاصة.
(6) تسعى الحكومة لاستيراد أطباء آخرين للعمل خارج المستشفى وتسهل لهم الإقامة ولو أدى الأمر إلى صرف مكافآت لهم شهرية تشجيعاً للأطباء للإقامة بهذه البلاد.
(7) تعمل الحكومة على إحضار طبيبات للكشف على النساء ومعالجتهن وتخصيص الأطباء للرجال فقط.
هذه مقترحات ينقصها كثير من الدرس والتعديل أضعها تحت أنظار سمو وزير الصحة وأرجو أن تنال قسطا من اهتمامه.