يا صاحب السعادة: منذ وضعت حكومة جلالة الملك المعظم على عاتقكم النهوض بالتعليم والسير به قدما نحو الكمال، والرأى العام يلاحظ التقدم المضطرد في شئون المعارف والسير بخطوات واسعة حتى غبطكم الكثيرون على ما وصلت إليه المعارف في عهدكم الزاهر بفضل تشجيع حكومة جلالة الملك المعظم أيده الله.
غير أن مشكلة تكاد تكون قديمة ما زالت في حاجة إلى حل أو لفتة كريمة من لفتاتكم.
تلك المشكلة هي مشكلة الكتب المدرسية، الكتب المدرسية من حيث وضعها الطباعي والكتب المدرسية من حيث أسعارها التي تباع بها.
فإذا قارنا بين الوضع الطباعي لمقرراتنا، والوضع الطباعي لمقررات مدارس الأقطار الشقيقة كمصر وسوريا ولبنان نجد أننا ما زلنا في طور بدائي، وأذكر أن كبيراً في مديرية المعارف قال عن هذه المقررات إن طباعتها مخجلة إذا ما عرضت بجانب مقررات تلك الأقطار. ولا أدري لو أقيم معرض المقررات المدرسية في البلاد العربية ماذا سيقول زوار هذا المعرض عنا وعن تأخرنا.
هذا الشق الأول من المشكلة أما الشق الثاني – وهو الأهم – فهي هذه الأسعار الجنونية التي تباع بها المقررات فإنها على الرغم من حالتها الطباعية نجد أسعارها أضعاف أسعار المقررات بالأقطار الأخرى..
أما السبب في وقوع هذه المشكلة بشقيها فأخاله يرجع إلى:
1- احتكار نشر وتوزيع هذه الكتب لدى مؤلفيها أو في مكتبة واحدة يساهم فيها .. جماعة من المدرسين قدامى ومحدثين فلا مجال للمنافسة التي تدفع إلى التجويد وخفض السعر.
2- ترك الحبل للمؤلفين والناشرين على الغارب كي يضعوا الأسعار التى تقنعهم دون رقيب أو حسيب من مديرية المعارف مع أن وزارة المعارف المصرية هي التي تسعر الكتب المدرسة وتحدد سعر الجملة والقطاعي.
فالمؤلف يريد ربحاً عظيماً والناشر يريد ربحاً أعظم والمكتبة التي توزع هذه الكتب لا تقنع بالربح المحدد من الناشر بل هي الأخرى تزيد عليه، وهكذا ضاعت لحي الطلاب – لو كانت لهم لحي – بين حانا وبانا وأصبح الكتاب الذي يكلف خمس مليمات مصرية أي قرش دارج يباع بنصف ريال وما يكلف قرشا مصريا يباع بريال.
والذي يزيد الطين بلة ويضاعف متاعب آباء الطلاب أو أوليائهم: هو أن الطالب الابتدائي – لاسيما في السنوات الأولى – لا تكفيه مجموعة واحدة من الكتب بل يحتاج إلى شراء هذه المقررات أكثر من مرة في العام حتى كاد الآباء أو الأولياء يضيقون ذرعاً بمطالب أولادهم وبالأخص متوسطي الحال والعمال ولو رأى سعادتكم بعضاً من أولياء الطلاب – وبعضهم من الأرامل – الذين يقعون في مآزق مع أولادهم ويرجعون من باب السلام كاسفي البال لعجزهم عن الشراء لو رأى سعاتكم ذلك لاستفزته هذه الصور أن يسعى جاهداً لحل هذه المشكلة في أقرب فرصة لأن هذا العمل لا يقل أهمية عن افتتاح مدرسة في مكان ليس فيه مدرسة..
والحكومة التي لم تبخل يوماً على أي مشروع من مشاريع الإصلاح أعتقد أنها أكثر استعداداً للإنفاق على التعليم وتيسيره بكل الوسائل، وإزالة كل عقبة تقف في سبيل نشر العلم وتيسيره لجميع الطبقات.
هذه بعض نواحي المشكلة بسطتها تحت أنظار سعادتكم وأعرف أن هذا سيغضب المؤلفين والناشرين وإن كانت تربطني ببعضهم روابط قوية وليس من صالحي أن أقف منهم هذا الموقف ولكن اعتقادي أنها كلمة حق جرأني على الجهر بها.
ولكي أثبت لكم إخلاصي فيما قلت وصدقي فيما ذهبت إليه فإني مستعد أن أقدم لكم من الناشرين من يقوم بطبع جميع المقررات المدرسية وتوزيعها بأقل من نصف قيمتها الآن مع الارتفاع بها من الناحية الطباعية إلى مستوى مقررات الأقطار العربية الأخرى.
وأخيرا أستأذن سعادتكم في أن أضع تحت أنظاركم بعض المقترحات التي أخالها تساعد على حل هذه المشكلة بشقيها وأرجو أن يوفق الله سعادتكم للعمل على تنفيذ الصالح منها:
1- تنزع مديرية المعارف من مؤلفي المقررات المدرسية حقوق الطبع والنشر مقابل مكافأة تقدر من قبل مجلس المعارف على كل كتاب تعطى للمؤلف بحيث لا تصبح له علاقة بالطبع والنشر.
2- تعلن مديرية المعارف لعموم المكتبات إباحة طبع أى مقرر مدرسي بشرط أن تستأذن في ذلك مديرية المعارف وهذه لا تعطي الإذن بالطبع والنشر إلا بعد الاتفاق على مواصفات الطبع وتحديد السعر وأخذ تعهد على طالب الطبع والنشر بالتزام هذه الشروط وفي هذا مدعاة للتجويد والرخص الناجمين عن المنافسة.
3- تقوم مديرية المعارف بتشكيل لجنة من كبار المدرسين والمفتشين وغيرهم ممن لهم سابقة في التعليم لوضع كتب في المقررات المدرسية على ضوء علم النفس الحديث وأصول التربية مقابل مكافأة كما فعلت وزارة المعارف المصرية.
4- يلزم كل ناشر وطابع بالتقيد بالأسعار التي تفرضها مديرية المعارف بواسطة لجنة مختصة وتطبع الأسعار على نفس الكتب وتوقع عقوبة صارمة على كل مكتبة تخالف هذه التعليمات.
هذا ما أراه يساعد على حل المشكلة ولي كبير الأمل في أن يتفضل سعادتكم بالأمر بدراسته والعمل على تحقيقه سدد الله خطاكم وزاد من توفيقكم.