التوصية التي اتخذها مجلس القضاء الأعلى ووافقت عليها الدولة بإطلاق حرية تأجير العقار توصية حكيمة قصد منها أنصاف فريق من المواطنين هم فريق الملاك الذين لاقوا عنتا خلال السنوات الماضية من الفريق الآخر فريق المستأجرين بعد أن اتخذت الدولة من الإجراءات ما اعتقدت أنه تخفيف من وقع تنفيذ هذه التوصية بإنشاء بنك التنمية العقارية وقيام وزارة الإسكان بتوفير عدد كبير من الوحدات السكنية في عدد من مدن المملكة الهامة...
بيد أن لنا بعض الملاحظات التي نود وضعها تحت نظر المسئولين في الدولة لعل في بيانها ما يساعد على التخفيف من وطأة تنفيذ هذه التوصية بحيث يتحقق منها العدل فلا يضار فريق لمصلحة فريق آخر إذ أن من أهم القواعد الفقهية قاعدة "لا ضرر ولا ضرار".
(1) إن الفكرة القائلة بتوازن العرض مع الطلب في قضية العقار ليست تماما بالمعنى الدقيق وصحة العبارة توازن الموجود مع المطلوب وليس توازن المعروض مع المطلوب لأن المعروض أقل من المطلوب بحكم قفل الكثيرين من ملاك العقار وخاصة في مكة المكرمة والمدينة المنورة وربما جدة لأملاكهم وتركها بدون تأجير لعدة سنوات ما لم يحصلوا على الأجر المتغالى فيه وبالنسبة لمكة المكرمة والمدينة المنورة اكتفاء بتأجيرها في موسم الحج ورمضان.
(2) إن حرمان الملاك من الحرية خلال السنوات الماضية حرمانا أوغر صدورهم وحز في نفوسهم ثم إطلاق هذه الحرية بدون سدود أو قيود جعل أكثرهم يندفعون كالسيل الآتي وزاد من اندفاعهم خوفهم من أن تكون هذه الحرية لسنة واحدة فقط ثم يحرمون منها فهم يريدون الحصول على أكبر أجر قبل أن يوضع القيد في أيديهم مرة أخرى.
وليس أدل على ذلك من الإخطارات التي تلقاها الكثير من المستأجرين برفع الأجور من 16000 إلى 160000 ومن 5000 إلى 200000 ومن 11500 إلى 130000 إلخ بالإضافة إلى طلبات الإخلاء الكثيرة رغبة في تفريغ أملاكهم للاكتفاء بتأجيرها أجرة موسمية في رمضان مرة وفي الحج مرة أخرى..
(3) إذا اضطر المواطن للرضوخ إلى هذه المضاعفات في تكاليف سكنه أو تجارته أو صناعته فمن أين يغطيها؟!
ألا يكون مضطر إلى رفع أجرة عمله أو سعر بضاعته سواء كانت مستوردة أو مصنوعة؟! ومن الذي سيدفع ثمن ذلك؟ أليس المواطن نفسه مالكا كان أو مستأجرا؟!
إننا نلاحظ دائما إذا زيدت رواتب الموظفين ترتفع الأسعار وتتلاشى الزيادة وهي نسبة بسيطة تتراوح بين 30% و 50% فكيف إذا زيدت أجور العقار 1000% كما هو متوقع من مؤشرات البوادر؟ ثم ما مقدار التضخم الذي سوف ينتج من هذه العملية؟! وكيف يكون التخفيف من آثاره؟!
(4) ما هو التفسير الدقيق لعبارة "في حدود ما أباحه الله لهم" أي ملاك العقار الواردة في توصية مجلس كبار العلماء؟! إن بعض الملاك يفسرها أن له مطلق الحرية في أن يطلب الأجر الذي يريد أو الإخلاء السريع لأنه حر في ماله وبعض المستأجرين يفسرها بأن للمالك الحق في طلب أجرة المثل وليس أكثر منها ولا يبيح الله للمالك أن يمنع المواطن المحتاج إلى السكن منه ويقفله لتأجيره على الحجاج والعمار..
(5) قد يكون الانتقال في السكن من دار إلى دار أمرا سهلا ولكن انتقال المتجر أو المعرض أمر صعب جدا وله آثار سيئة على صاحب المتجر والمعرض بحكم الشهرة التي أسسها من جهة ومن جهة أخرى بسبب التجهيزات التي أنشأها صاحبه والتي كلفت عشرات الآلات وربما مئاتها وقد استغل بعض الملاك هداهم الله عبارة حرية العقار فلم يكتفوا بزيادة أجور العقار القديمة المهضومة فعلا بل طلبوا زيادة أجر عقار أجروه في عام 1402 هـ أو 1401 هـ فما هي حدود الأجور التي يحق للمالك زيادتها واستغلال ظروف المستأجرين؟!
(6) إن إطلاق حرية العقار سلاح ذو حدين إذا سلم إلى أيد أمينة استعملته لنيل حقوقها دون تجاوز أو ظلم وإذا أخذته أيد غير ذلك راحت تخبط به خبط عشواء وتجاوزت كل الحدود فليكن هناك ردع إن لم يكن من ضمير أو قرآن فليكن من رقابة أو سلطان..