بعد غد يصادف يوم التروية من أيام الحج ويأخذ المسلمون القادمون إلى هذه البقاع المقدسة من شتى أقطار الأرض في اقتفاء أثر رسول الإسلام ليؤدوا فريضة الحج كما أداها - عليه الصلاة والسلام - وكما أجازها فقد كان صلى الله عليه وسلم وهو يمثل القدوة لأداء هذه الفريضة كإنما ينظر بظهر الغيب فلم يلزم الحاج - كل الحاج - أن يؤدى مناسك الحج على نمط واحد، إذ كان شعاره للرد على كل سائل: "افعل ولا حرج".
وافعل ولا حرج هذه كانت مفتاح الفرج لتسهيل أداء هذه الفريضة وقد تكاثر المسلمون وتضاعف عدد الحجيج وضاقت بعددهم فجاج مكة وبطاحها وازدحمت مسالك المشاعر المقدسة نتيجة لتطور وسائل المواصلات.
ولو أن الإسلام جاء للحج بطريقة واحدة لا مجال فيها للتصرف دون حرج لتعذر أداء هذه الفريضة كل التعذر بعد أن تطور الزمن وتطورت الحياة وتطور كل شيء في هذه الدنيا..
والدارس لمناسك الحج من وجهات نظر أئمة الفقه الإسلامي يجد سياسة افعل ولا حرج هي المخرج الوحيد من كثير من المآزق التي كان من المحتمل أن يقع فيها الحجيج.
وأبسط مثال على ذلك لو أن الحجيج أخذ بوجهة نظر فقهاء الحنفية مثلاً في وجوب المبيت بمزدلفة حتى شروق الشمس، ترى كيف كان يتم ذلك وحدود مزدلفة معروفة ومحدودة ولا يمكن بحال من الأحوال أن يقف فيها هذا النصف مليون حاج على أقل تقدير ولو على أصابع أقدامهم فضلاً عن أن يناموا بها ويذوقوا طعم الراحة؟!
غير أن وجهة نظر المالكية التي تحصر الوجوب في الإقامة بمزدلفة بقدر حط الرجال، ووجهة نظر الشافعية والحنابلة حددت الوقوف بمزدلفة بلخطة بعد منتصف يجوز بعدها مغادرة المزدلفة.
وجهات النظر هذه هي التي أخرجت الحجيج من أكبر مأزق.
هذا هو ديننا السمح، وهذه هي تعليماته التي تنبذ التزمت ولا ترضى عن الجمود وتحميل النفس فوق طاقتها فلنأت من الأعمال ما نستطيع ولنتخير من الأمور أيسرها والعبرة بعد ذلك بخلوص النية وطهارة القلب، ونظافة النفس.