"ممنوع وقوف جميع السيارات في شوارع منى ابتداءً من ليلة العيد وطيلة أيام التشريق منعاً باتاً وسيقوم رجال المرور بسحب رخصة كل سيارة تقف في الشوارع المذكورة ومجازاة سائقها بأقصى العقوبات.. إلخ" ما جاء في هذه التعليمات الصادرة من الأمن العام بشأن مرور السيارات في أيام التشريق.
لقد قرأت هذه المادة وظللت أقرؤها مرتين وثلاثاً وأتساءل: هل صحيح أن هذه التعليمات ستنفذ؟! وإذا نفذت لا سمح الله فأين تقف السيارات الخاصة التي يحج بها أصحابها؟ هل توصلهم ثم تخرج إلى الخلاء حتى إذا احتاجوها في عز الظهر كان عليهم أن يمشوا إليها الكيلو مترات ليحضروها؟ أم ماذا؟
وخرجت من نتيجة تكراري لقراءتها أنها تعليمات مستحيلة التنفيذ ومن ثم فإنها لا تزيد على أن تكون حبراً على ورق.. وقد كان فقد وقفت السيارات على الجانبين ولم يسحبها أحد ولم يعاقب من أجلها أحد.
يقول المثل العربي: "إذا أردت أن تطاع فسل ما يستطاع" وقد كان الأكرم لمديرية الأمن العام أن تقصر المنع على سيارات الشركات وسيارات النقل الكبيرة للأسباب الآتية:
1- إن هذه السيارات لا يحتاج إليها ركابها إلا يوم النفرة من منى فيسمح لها بالوقوف ذلك اليوم ومدة محددة لا تزيد على ساعة لكل سيارة لأن البعض يحضرها من الفجر ولا يسافر إلا بعد العصر.
2- إن هذه السيارات ضخمة ووقوفها يؤثر على السير، أما السيارات الصغيرة فوقوفها على جانب واحد فقط لا يضر المرور في شيء.
أما جعل السير في منى في اتجاه واحد فإن له مساوئ أكثر من مساوئه في مكة فإن من يسكن عند الجمرة الوسطى مثلاً ويريد الذهاب إلى المستشفي وهو على بعد أمتار فإن عليه أن يقطع أكثر من عشرة كيلو ويستغرق ساعتين من الوقت بدلاً من خمس دقائق، كل هذا من أجل تطبيق نظام الاتجاه الواحد وقد يموت المريض ويمرض السليم قبل الوصول إلى الغاية.
إن نظام السير في اتجاه واحد وحظر الاتجاه الثاني هو الذي يشجع على الوقوف وسط الشارع وعلى الخروج من "السرا" والبحث عن منافذ وعلى تحدى جندي ا لمرور بل ضابطه إذا عجز هذا الجندي أو الضابط عن منع إحدى السيارات.. من مخالفة المرور احتراماً لنفسه من الامتهان على يد خادم يحمل في يده هراوة يهدد بإنزالها على كل من يحول بينه وبين ما يريد.
فهل إذا شاهد مثلى هذا المنظر يظل محافظاً على النظام أم يقتدي بالمخالفين وليكن بعد ذلك ما يكون.
لا أدرى لماذا جبل أكثر الناس على حب المخالفة فإذا قيل لهم الطريق من هنا، قالوا: لا.. بل من هنا وفي ذلك يقول الشاعر العربي:
لقد زادني كلفا في الحب إن منعت أحب شيء إلى الإنسان ما منعا
إن إباحة الشيء تخفف من التهافت عليه.
فجربوا نظام السير في منى في اتجاهين بشرط واحد هو منع وقوف السيارات الكبيرة مطلقاً والسماح للسيارات الصغيرة بالوقوف على جانب واحد فقط وفي المناطق التي تتسع لذلك وألغوا هذه المادة المستحيلة التنفيذ وارحموا الناس من هذا اللف والدوران حول منى مع السماح لكل من هب ودب من ركاب سيارات الإسعاف والبعثات الطبية وأمانة العاصمة والأمن العام والثلج والمرطبات بمخالفة نظام السير وعرقلة المرور.