خلال الأشهر الثلاثة الماضية، كنت مستمعاً فقط لتعليقات بعض الكتاب في إحدى الصحف اليومية، ولعدد كبير من المتحدثين، حول نظام المؤسسات الأهلية للصحافة السعودية، وقرأت، أيضا، ما تفضلت به مجلة "الجمهور الجديد" اللبنانية من ثناء ومديح على هذا النظام تحت عنوان (نظام جديد فريد..).
وأخيراً نشرت جريدة (البلاد) تعليقاً على الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها وزارة الإعلام لتطبيق النظام. وقد جاء في تعليق البلاد أمران لافتان للنظر...
أحدهما: إن وزارة الإعلام غيرت وبدلت القوائم المقدمة من أصحاب الصحف، وألغت أسماء كثيرة، وفرضت أسماء أخرى لبعض الوزراء الحاليين والسابقين، ورجال الأعمال والبنوك، ووكلاء الوزارات، ومؤسسي الشركات والمرافق العامة التي لها مساس بمصالح الجمهور.
الثاني: إن وزارة الإعلام هيأت أشخاص أو أسماء رؤساء التحرير الجدد ليتولوا العمل فور إعلان تنفيذ النظام.
وهنا، وبعد هذه الأشهر الثلاثة الطويلة منذ البيان الذي صدر في 23/6/1383ﻫ بإلغاء امتيازات الصحف والمجلات الحالية، وتحويلها إلى مؤسسات أهلية – رأيت ألا أكتفي بالاستماع وأن أدلى بدلوى مع الدلاء، من وجهة النظر التشريعية وحدها حول هذا النظام.
وحول ما نشرته بعض الصحف من أن وزارة المعارف قررت نقل جميع طلاب المملكة للمرحلة المتوسطة والثانوية إلى الرياض لأداء امتحاناتهم النهائية هناك.
وحسبي – لئلا أطيل – أن أوجه بعض الأسئلة إلى وزارة الإعلام واضعة المشروع الأساسي لهذا النظام، والقائمة الآن على تنفيذه.
* هل نجد لهذا الإجراء مثيلاً أو دليلاً من التشريع الإسلامي؟ أو من أنظمة الصحافة الوضعية في عالمنا الحديث؟
* ما معنى كلمة "الأهلية" التي أسبغت وصفاً على المؤسسات الصحفية المطلوب إنشاؤها بموجب النظام الجديد – إذا كانت وزارة الإعلام، وهي جهاز حكومي تسيطر على إدارة هذه المؤسسات (أولاً) بحقها في الاعتراض على اسم أي واحد من أعضاء المؤسسة. (وثانياً) بعدم جواز نقل أي عضو في المؤسسة حقوق عضويته إلى الغير بأي نوع من أنواع التصرف إلا بعد موافقة وزارة الإعلام (وثالثاً) اشتراط موافقة وزارة الإعلام على المرشح لإدارة المؤسسة وحقها في إنهاء مهمته (ورابعاً) اشتراط تصديقها على اللائحة الداخلية للمؤسسة (وخامساً) اشتراط موافقتها على المرشح لرئاسة التحرير وحقها في إنهاء مهمته كمدير المؤسسة تماما (سادسا) حق الوزارة في الإطلاع على العقود المبرمة بين المؤسسة وهيئة التحرير.
* أوجبت المادة (10) من النظام على كل عضو في المؤسسة الاشتراك مع بقية الأعضاء في توجيه تحرير الجريدة، وقررت له الحق في ممارسة هذا الواجب الرئيسي كما جاء في نص المادة بكل الوسائل المشروعة:
أليس في ذلك مخالفة لنظام الموظفين العام ونظام مجلس الوزراء وبخاصة أن النظام لم يمنع اشتراك الموظفين في هذه المؤسسات، وقد شملت قوائم المؤسسات أسماء كثيرة لموظفين حكوميين من وزراء ووكلاء وزارات ومن هو أدنى منهم؟
* قالت المادة (14) – أن العضوية لا تنقل إلى ورثة العضو بالوفاة. فما هي (ماهية) المؤسسة.. شركة تخضع لنظام الشركات إسلامياً كان أم وضعياًَ؟ أم وظيفة لا تخضع لنظام التوريث؟ وكيف تعامل حصة العضو المورث؟ هل تسلم لورثته كما هي، أم بعد التصفية، أم تبقى عاملة رابحة؟
* المعروف في أنظمة الانتخاب، ولوائح الهيئات والمجالس، أيا كان نوعها سياسياً أو إدارياً – أن تتحقق "أغلبية" نسبية أو مطلقة لترجيح المقررات التي تصدرها – فلماذا أجازت الفقرة (ج) من المادة 18 من النظام إنهاء مهمة مدير المؤسسة بطلب نصف الأعضاء إذا تقدموا بذلك إلى وزارة الإعلام؟ في حين أن المادة (16) أخضعت اختياره للأغلبية المطلقة، كما أخضعت المادة (21 و 23) مشروعية قرارات المؤسسة بصفة عامة، وتحديد مكافآت مدير المؤسسة وأعضاء لجنة الإشراف على التحرير لأغلبية ثلثي الأعضاء.
•كيف تؤدي الصحافة واجبها؟ وهل بقي لها مفهومها الصحيح إذا كانت وزارة الإعلام فرضت أسماء لكبار رجال المال أو الأعمال والشركات والمرافق العامة التي تمس الجمهور، ولبعض الوزراء الحاليين والسابقين ووكلاء الوزارات وموظفين آخرين – ليكونوا أعضاء مؤسسين موجهين في مؤسسات الصحافة الجديدة كما أشارت إلى ذلك جريدة (البلاد).
(2)
الموضوع الثاني: هو تكليف طلاب المملكة، على اتساعها وتباعد أطرافها، بأداء امتحان الكفاءة والثانوية بالرياض. وهو إجراء يشمل الطالبات أيضاً. بالإضافة إلى تكليف طلاب وطالبات المرحلة الابتدائية بأداء الامتحان النهائي بالنسبة للمنطقة الغربية في جدة، وللمنطقة الشرقية في الدمام. والمنطقة الوسطى في الرياض. ولم يذكر الخبر مصير طلاب وطالبات المنطقة الجنوبية والمنطقة الشمالية.
والسؤال: كيف تقرر هذا؟ وكيف يتم؟ وما هي موجباته وما هي نظائره وأمثاله، على فرض صحته ومعقوليته، في البلاد الأخرى وبخاصة وليست في المملكة مواصلات تربط أجزاءها. وقد صدر نظام المقاطعات لتخفيف المركزية عن الرياض! وفي كل منطقة مديرية للتعليم وجهاز للتفتيش ثم كيف يتيسر النقل والإقامة للطلاب والطالبات في الرياض وكيف يطمئن أهلهم عليهم في سفرهم وإقامتهم؟ وبأي شعور يؤدون امتحاناتهم في هذا الجو من الإرهاق وعدم الاستقرار؟
نكتفي بهذه التساؤلات الحائرة. والله المستعان.