لا شك في أن لدينا نهضة صحفية طيبة، وأن الصحف في عهدها الجديد، عهد المؤسسات تطورت، تطورا ملموسا من ناحية الشكل والموضوع والإخراج والصورة والخبر، ولكن الشيء الذي نفتقده أكثر من غيره في صحافتنا المعاصرة، هو الطابع الخاص المميز لكل جريدة، والشخصية المميزة لكل صحيفة – المستمدة من شخصية رئيس تحريرها ومن الأقلام المتعاونة معه، والمتجمعة حول فكرة خاصة نذرت لها كل طاقاتها فهذا وحده هو الذي يجعل لكل صحيفة طابعها الخاص المميز وجمهورها الخاص المعجب بها.
وكما أن رئيس التحرير هو الشخص المسئول رسميا عن كل ما ينشر في صحيفته من المواد، أمام الجهات المسئولة عن الصحافة، فهو كذلك يتحمل مسئولية كبرى أمام الصحافة كفن ورسالة وهدف، ومسئولية أخرى أمام القراء كرائد ومعلم، ورئيس التحرير القدير هو الذي يستطيع أن يتحمل هذه المسئوليات كلها في قوة وشجاعة ولباقة وهو الذي يستطيع أن يترك على كل عامود في جريدته أثراً من روحه وشخصيته وبصماته وبذلك تكتسب جريدته الطابع المميز لها والشخصية المستقلة بها.
والشيء الآخر الذي تؤاخذ عليه صحافتنا هو استهلاك الكثير من ورقها وطاقتها في عرض الأحداث العالمية على نطاق واسع في سلسلة من الروبرتاجات والمقالات الطويلة جدا والتي لا تترك صغيرة أو كبيرة إلا وتستعرضها أو تحصيها وتجلوها لعامة القراء في صفحة أو صفحتين.. وتصقرقهم بها كما كانت تفعل الأمهات في الجيل الماضي.. وبفضل هذا الجهد المتواصل من الصقرقة أصبح كل قارئ على إلمام تام بجميع أحداث العالم ويستطيع بكل بساطة أن يقضي في جرأة في حضرة المؤرخ المعاصر (توينبي) ويناقشه في مشاكل العالم رفقا يا هؤلاء أنتم لا تصدرون الصحف في أكاديمية لتخريج الدبلوماسيين.
وإن من أبسط المبادئ التي يتلقاها طلاب مدارس الصحافة (بالمراسلة) هو أن القارئ العادي يهتم بتصادم دراجة مع عربة كارو في برحة الطفران أكثر من اهتمامه بزلزال في بلاد الصين.